استفاق العالم الإسلامي من سباته التاريخي الطويل في القرن الثامن عشر ليجد نفسه أمام وضعية جديدة كليا , وضعية تتسم بالسيطرة الكاملة للغرب على العالم بفضل تقدمه التقني والعسكري والإقتصادي والفكري وبتحكمه شبه الكامل فيه.
حدثت هذه اليقظة مع الصدمة الإستعمارية عند مفصل التقاء القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادي , شكلت فيه الحملة النابوليونية على مصر سنة 1798 لحظة متميزة في سياق اكتساح العالم الإسلامي واحتلاله وتقسيمه بين الدول الإستعمارية الكبرى , كانت فترة إستعمار العالم الإسلامي فترة سيطرة سياسية ونهب إقتصادي واستلحاق ثقافي , لكنها كانت أيضا الفترة التي تمت فيها خدمة للسيطرة والإٍسستغلال والإستلحاق , بداية التحديث الإقتصادي والسياسي والتقني , وبداية إدماج هذا العالم في مسيرته الطويلة الشاملة للتحديث الكوني .
اللحظة الكبرى الثانية في إندراج العالم الإسلامي في الإستراتيجيا الحديثة التي يتحكم فيها الغرب بشقيه الأوروبي والأمريكي , هي لحظة الإستقلال عن الدولة الإستعمارية , وخلالها تم إستكمال تقسيم وتفتيت العالم الإسلامي وإعادة رسم خرائطه وفق تقسيمات جديدة , وزرع كيان جديد في قلبه حلا للمسألة اليهودية وضمانا لتقسيمه المستديم .
في هذا الإطار تم استقلال الشعوب الإسلامية , الذي أسهم في تحقيقه كفاحه المسلح , ويسرته الحروب الداخلية الكبرى في الغرب , الحرب الأولى عام 1914 ثم الحرب الثانية 1939 , وهما الحربان اللتان مهدتا لنهاية تفوق اوروبا على الصعيد العالمي , كما ساهمتا في وضع نهاية للنظام الإستعماري الكلاسيكي.
إلا أن الإستقلال لم يعن الحرية المطلقة بل الإنتقال إلى نظام هيمنة جديد اختلفت اسماؤه : الأستعمار الجديد , الإمبريالية , العولمة , لكن قوامه ليس احتلال الأرض وانتهاك السيادات الوطنية بل الهيمنة الإقتصادية والتبعية السياسية , وخلال نهاية الثمانينات تم تجنيد جزء من العالم الإسلامي لمحاربة الشيوعية في الأيام الأخيرة للحرب الباردة , والتي انتهت بالسقوط المروع للأتحاد السوفياتي والكتلة الإشتراكية , وبموازاة ذلك تم تشجيع نوع من الإسلام السياسي وتعبئته من طرف الأنظمة الموالية للغرب لمقاومة التنظيمات والقوى اليسارية.
لقد أثارت هذه الأحداث الإنتباه إلى تلك الإيديولوجيات السياسية العنيفة التي تقوم على تأويل متشدد ومنغلق للإسلام , وإلى أن ظهور الطفرة النفطية باستثماراتها الهائلة المسخرة في التنمية المحلية والتعاطي الواسع مع التقنية , قد حقق تحولات معمارية وتنظيمية وتقنية كبرى , لكنه في إطار سياسة ثقافية محافظة تقوم على رفض القيم الكونية والعقل النقدي الحديث , وقد خلق ذلك واقعا سياسيا متصالحا سطحيا وفي الظاهر مع عصر لكنه في العمق نظام محافظ ومفارق ثقافيا وهذا ما يفرض ضرورة تحيينه مع المعطيات السياسية والثقافية للعصر الحديث , وذلك بدفعه إلى الإقرار بحرية الفرد , وحرية الرأي , حرية ممارسة السياسة والفكرية وتداول الأفكار , وإقرار الديموقراطية وحقوق الإنسان وتطوير ثقافة عقلانية حديثة.