نفحات اسلاميه
اهلا بك معنا في منتدي نفحات اسلاميه
نفحات اسلاميه
اهلا بك معنا في منتدي نفحات اسلاميه
نفحات اسلاميه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نفحات اسلاميه

كل ما يخص الدين الاسلامي/فقه/سنه/حديث/افكار/الاسلام والغرب/الاسلام بالانجليزيه/شباب الامه/فتيات الامه/
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 موقف الاستشراق الأمريكي من دراسة المدينة العربية الاسلامية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
eng shitos
Admin
Admin



ذكر عدد المساهمات : 482
تاريخ التسجيل : 26/07/2010
الموقع : https://nfhat.0wn0.com

موقف الاستشراق الأمريكي من دراسة المدينة العربية الاسلامية Empty
مُساهمةموضوع: موقف الاستشراق الأمريكي من دراسة المدينة العربية الاسلامية   موقف الاستشراق الأمريكي من دراسة المدينة العربية الاسلامية Emptyالسبت أغسطس 07, 2010 5:24 am

لم يحظ موضوع الاستشراق بصورة عامة ودور المستشرقين في دراسة التراث العربي والاسلامي خاصة باهتمام الباحثين العرب بما يتانسب وضخامة الإنجازات الاستشراقية، فكان كتاب (المستشرقون) الذي ألفه نجيب العقيقي في الستينات أول مبادرة للكتابة الواسعة عن هذا الموضوع. فهو كتاب واسع، بثلاث أجزاء، يتضمن تراجم المستشرقين في شتى أرجاء العالم وفق الأقطار التي ينتمون إليها. إن الكتاب عمل مجيد لأنه يقدم للباحث معلومات عن إنجازات كل مستشرق في حقول التراث العربي المختلفة سواء كان ذلك في التاريخ والفلسفة أم في الفقه والحديث والأدب والشعر، أم في تحقيق المخطوطات الرائدة، لذلك صار مصدراً يرجع إليه مَن يريد التعرف على المستشرق الذي يود التعرف على إنجازاته وإسهاماته وسيرته العلمية. ومع هذا فإن الكتاب لا يعد دراسة تحليلية لمواقف هؤلاء المستشرقين من التراث العربي ولفلسفاتهم أو تفسيراتهم للجوانب التي انشغلوا بها. وضمن هذا الاطار فقد بدا اهتمام ملحوظ في البحث عن دوافع المستشرقين فيدراساتهم وابراز مواقفهم من الحضارة العربية والتراث العربي، فأسهمت الدكتورة عائشة عبد الرحمن مثلاً بالكتابة عن هذا الموضوع في كتابها (التراث العربي بين ماض وحاضر)، إذ تناولت في أحد جوانبه الهدف من توجه المستشرقين لدراسة التاريخ العربي، وخلصت إلى أنهم كانوا مدفوعين بدوافع سياسية. وفي نفس الرؤية كتب مالك بن نبي موضوعه عن (إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الاسلامي الحديث)، وقد ركز فيه أيضاً على تشخيص دوافع الدراسات الاستشراقية وإبان عن مواقفهم في الدس على الفكر الاسلامي والتاريخ الاسلامي. وكذلك بالامكان تصنيف دراسة الدكتور عرفان عبدالحميد حول (المستشرقون والاسلام) وانها تهدف إلى إبراز الطابع التعصبي الذي غلب على دراسات عدد من المستشرقين ضد الاسلام، وقد أشار إلى أسماء عدد من المستشرقين المتحاملين في كتاباتهم على التاريخ الاسلامي والحضارة الاسلامية.
ومن الجانب الآخر، هناك جملةم ن الدراسات العربية التي ركزت على دراسة جانب استشراقي دون غيره، كما هو الحال في مقالة يعقوب أفرام منصور حول (تطور الاستشراق الانكليزي) يتناول فيه ذكر بعض المستشرقين البريطانيين البارزين خلال فترة القرنا لتاسع عشر للميلاد. وبحث الدكتور محمود زايد عن (المستشرقون البريطانيون وموقفهم من التاريخ العربي).
ليس هدف هذه الدراسة الخوض في بحث تطور الدراسات الاستشراقية وأهدافها ودوافعها، غير انه من المهم القول بأن هذه الدراسات أو بالأحرى اهتمامات المستشرقين في دراسة جوانب مختلفة من تراثنا قد ارتبطت ارتباطاً مباشراً بأهمية الوطن العربي عموماً من النواحي السياسية والاستراتيجية والاقتصادية بالنسبة إلى العالم الأجنبي. فتوجهت أطماع الأجانب إلى الاستحواذ على المواضع الهامة منه منذ فترة طويلة، والمعروف ان هذه الأطماع لم تكن وليدة القرن التاسع عشر أو القرن العشرين إنما ترجع إلى فترات قديمة جداً، وهناك أمثلة متعددة تؤكد ذلك منها على سبيل المثال التوسعات العسكرية اليونانية خلال فترة الاسكندر المقدوني التي كانت تهدف بالدرجة الأولى إلى فرض السيطرة العسكرية على المناطق التي تحمل أهمية استراتيجية واقتصادية، وكان الخليج العربي والمحيط الهندي من بين تلك الأهداف في حملته التي وصلت إلى منطقة الخليج الفارسي، المنطقة التي لعبت دوراً اقتصادياً وتجارياً بالنسبة غلى الغرب آنذاك لوقوعها على طريق التوابل الذي يبدأ من الهند. في هذه الحملات العسكرية توجهت أقلام بعض الكتاب اليونانيين للكتابة عن هذه المنطقة والتعرف على مواردها الاقتصادية وطبيعتها الجغرافية فألف فلافيوس أريان اليوناني مثلاً عدة كتب من بينها كتابه عن حملات الاسكندر ويقع في خمسة عشر قسماً وصف في ثمانية أقسام من هذا الكتاب أحوال منطقة الخليج العربي والهند، كما إن الرحالة اليوناني المشهور نيارخوس صاحب الرحلة الجغرافية من الهند عبر الخليج الفارسي ـ شط العرب كان هو الآخر قائداً ضمن حملات الاسكندر لذلك فإن لادافع السياسي يعد أساساً في اهتمامات المؤرخين والكتاب الأجانب للكتابة عن الشرق. ومع ذلك فإنه من الصعب القول بأن جميع الكتابات الاستشراقية، دون استثناء، كانت كتابات مدفعوة بدافع الحقد والتعصب أو أنها قد أنجزت لتحقيق المآرب السياسية الاستعمارية لدولهم وذلك لأن هناك عدداً غير قليل من الدراسات والأعمال الاستشراقية تستحق التقدير والثناء لأنها أفادت الكتابة التاريخية بتوفيرها العديد من المخطوطات المحققة لاسيما خلال الربع الأول من القرن العشرين.
ومهما يكن فإن الفترة التاريخية التي أعقبت الثورة الصناعية في أوروبا المتمثلة بزيادة الفائض الإنتاجي وتكدسه في أسواق أوروبا قد دفع الغرب إلى التوجه نحو العالم الجديد المكتشف والانتفاع من أسواقه، حينئذ بدت الرغبة في في التعرف على أحوال الشرق الأدنى منه والأقصى وشؤونه التاريخية والاقتصادية والسياسية. لذلك فإن المنطقة العربية شهدت منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى الربع الأول من القرن العشرين تصارعاً حاداً بين الدول الغربية نفسها حول السيطرة على أكبر حصة ممكنة من عطاء المنطقة الاقتصادي والاستراتيجي، وقد اتخذ هذا التصارع أشكالاً متنوعة. والمهم انه خلال هذه الفترة من التنافس والتصارع نشطت حركة التأليف عن هذه المنطقة والتعرف على أحوالها فنشطت مثلاً حركة البعثات التنقيبية الأثرية الألمانية والانجليزية والفرنسية والأمريكية. وكان هدف هذه الحركات في الظاهر الكشف عن المعالم الأثرية للمناطق التي عملت بها ونقبت بها غير انها في الباطن كانت تهدف إلى خدمة سياسة الدول التي شجعت على إرسالها بتوفير المعلومات التاريخية الثمينة عن أهمية هذه البلدان من أجل فرض السيطرة السياسية كذلك فإنها أغنت المتاحف الأجنبية بما نقلته من آثار غنية تم العثور عليها بسهولة في هذه المناطق التي تمتلك أصالة حضارية قديمة.
لقد اهتمت الدراسات الاستشراقية في جميع الجوانب الحضارية والسياسية والفلسفية والدينية والاقتصادية والأثرية والأدبية في التراث العربي الاسلامي. ومن خلال تتبعي تطور الحركة الاستشراقية وجدت بأن هناك توجهات خاصة لكل مدرسة من المدارس الاستشراقية، فالاستشراق الهولندي والفرنسي مثلاً اهتم بالدراسات اللغوية والأدبية واهتم الاستشراق الألماني والفرنسي أيضاً بالدرجة الأولى في تحقيق ودراسة المواضيع العلمية في الحضارة العربية، واهتم الاستشراق البريطاني والألماني مثلاً في دراسة العقائد الاسلامية والدين الاسلامي. أما المستشرقون الروس فقد اهتموا بدراسة التراث المتعلق بالمشرق وهكذا..
كان من نتائج هذه الاهتمامات المتنوعة أن توجه المستشرقون لتحقيق عدد كبير من المخطوطات العربية النادرة، ومع ان بعض تحقيقاتهم اعتمدت نسخة أو نسخاً معدودة وربما كانت أقرب للنشر منها إلى التحقيق لكن أعمالهم هذه أفادت المكتبة العربية كثيراً باغنائها بالكتب المحققة.
ونالت المكتبة العربية الاسلامية اهتماماً متميزاً في الدراسات الاستشراقية، لاسيما بشكل خاص الدراسات الفرنسية. فلو أحصينا ما تم تأليفه من كتب وبحوث عن المدن العربية خلال الفترة الاسلامية والفترات الحديثة من المستشرقين لوجدنا ان الدراسات الفرنسية تمثل نسبة عالية مقارنة بالدراسات الألمانية والانجليزية. ولعب المؤرخون دوراً أساسياً في إعداد هذه الدراسات. ومما يجدر ملاحظته أن الدراسات الاستشراقية الفرنسية قد ركزت على مدن منطقة شمال أفريقيا وبضمنها مصر ثم تأتي مدن بلاد الشام (سوريا) بالدرجة الثانية، أما المدن العراقية فإنها كانت بالدرجة الثالثة من حيث كمية هذه الدراسات ونوعيتها.
وقد برز منذ أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن العشرين تطور هام في دراسة المدن بشكل عام والمدن العربية الاسلامية خاصة، وأقصد بذلك اهتمام المستشرقين الأمريكان. حقيقة ان عمر الاستشراق الأمريكي قياساً بالاستشراق الهولندي أو الفرنسي أو الانكليزي قصير، وهو من حيث المحتوى والمنهج قد اعتمد اعتماداً كبيراً على الاستشراق الأوروبي وتتجلى هذه الحالة عند دراسة السير العلمية للمستشرقين الأمريكان من أمثال رنتز وكرونباوم وهافدايك ورتشارد هوتهيل ورودولف برونو وجورج سارتون وويتك وأدمز وفيشل وكويتاين وجيل وغيرهم، ان أغلب هؤلاء ترجع أصولهم إلى ألمانيا أو هولندا أو بريطانيا. وقد أثر هذا العامل في توجيه اهتمامات المستشرقين الأمريكان بالنسبة إلى التراث العربي، والواقع ان انتاجات المستشرقين الأمريكان في هذا المجال قليلة بدرجة ملموسة مقارنة بانتاجات المستشرقين الأوروبيين. ويوضح الباحث الأمريكي بيتر جران هذه المسألة بأنه صار، بعد الحرب العلامية الثانية من الضروري جداً بالنسبة إلى أمريكا التوجه، وكما عرضه المجلس الأمريكي للجمعيات العلمية، إلى استحداث علم اجتماع خاص بمنطقة الشرق الاوسط. ان صانعي السياسة الأمريكية لم يكونوا متوقعين حدوث الثورات والانتفاضات في الوطن العربي خلال تلك الفترة الحديثة لذلك تركزت الدعوة تلك على ضرورة استحداث نوع جديد من الاستشراق وهو استشراق يركز بالدرجة الأولى على التاريخ الحديث والمعاصر للأمة العربية، لا كما هو الحال في الاستشراق الأوروبي التقليدي الذي يولي أهمية خاصة إلى التراث العربي في الفترة الاسلامية.
وبالفعل، كما رأى بيتر جران، انه مما يلفت النظر بخصوص الإسهامات الأمريكية في دراسة المدن العربية إنها تركزت أيضاً على دراسة المدينة العربية الحديثة على خلاف اتجاه الدراسات الأوروبية، لاسيما الفرنسية، التي اهتمت بدراسة المدن سواء كانت عربية أن أوربية في العصور الوسطى. ومع هذا فإن الباحث الأمريكي لا يستطيع عزل تطور المدينة الحديثة عن جذورها التاريخية، فهو يقدم عرضاً تاريخياً مختصراً وسريعاً للمدينة التي يدرسها. ان هذا الاتجاه طبعاً، يتعارض والفلسفة التي صرح بها لويس ممفورد الأمريكي بشأن تاريخ المدينة في الدراسات التمدينة إذ انه يقول في كتابه (المدينة في التاريخ) بأنه من الضروري جداً تفهم الجذور التاريخية للمدينة عندما نفكر بوضع أسس جديدة مستقبلية للحياة التمدنية. وان عدم القيام بهذه المهمة يجعل الباحث لا يمتلك المحفز الدفاع لاتخاذ خطوات جريئة في هذا المجال. أن قول لويس ممفورد صحيح من الناحية النظرية إلا أن الواقع غير ذلك فالاتجاه العام على دراسات الباحثين الامريكان عن المدن تبين عدم اهتمامهم بتواريخها، ولعل السبب في ذلك يعود إلى فلسفة الباحث الأمريكي واتجاه تخصصه الدقيق. إذ بينما نجد ان المستشرقين الأوروبيين الذين كتبوا عن المدينة العربية الاسلامية كانوا بالدرجة الأولى من المؤرخين فإن الذين ساهموا في هذا المضمار من الولايات المتحدة الأمريكية هم من علماء الاجتماع، وهؤلاء لا يهمهم التدقيق في تواريخ المدن ونشأتها وتطورها لأنها نماذج حضارية قديمة. ويرتبط بهذا التفسير تفسير حضاري آخر وهو ان المدن الأوروبية والعربية تتمتع بأصالة تاريخية قديمة تمتد إلى مئات بل آلاف السنين، في الوقت الذي تفتقر فيه المدينة الأمريكية إلى مثل هذه الأصالة التاريخية، إنها مدن حديثة لا تتجاوز إعمارها المائتي سنة أو أكثر قليلاً لذا فإنه لم يعد من المهم جداً بالنسبة إلى المتخصص في المدن الامريكية أن يجد نفسه في البحث وراء تاريخها لاقديم. ومما يؤيد هذا التفسير ما ذكره الباحث الأمريكي المشهور ماكس ويبر، وهو صاحب نظرية الخصائص الخمسة المشهورة التي اعتمدت في التمييز بين المدينة والقرية. فهو يشير إلى أن الباحث الأمريكي يعتبر المدن التاريخية مدناً قديمة فحسب وانها غير ملائمة في الغالب لتفسير أو التغلب على المشاكل التمدنية المعاصرة التي تواجهه أثناء البحث في شؤون المدينة. من هذا المنطق فإن الباحث ا لاجتماعي الأمريكي اهتم اهتماماً خاصاً بدراسة المشاكل المعاصرة التي تواجه المدينة، أي مدينة كانت، والتحديات التي تقف أمام تقدم حركة التمدن المعاصرة. إنها بالفعل مشاكل معقدة أمثال مشكلة ازدحام الناس وتزايد الهجرة من الريف واضطراب خطط المدينة المعاصرة ووضعها المالي وأحوالها الاقتصادية كالبطالة والفقر وعدم نظافة الشوارع والازقة والحارات الفقيرة ومشاكل النقل والمواصلات وفساد الجو وتلوثه والعزلة الاجتماعية لبعض الشرائح الاجتماعية فيها إلى غير ذلك من أمور موجودة وواضحة في المدينة الأمريكية في الوقت الحاضر.
صحيح ان الغالبية العظمى من الدراسات الأمريكية عن المدن العربية الاسلامية قد أسهم بها علماء الاجتماع الذين وقعوا في أخطاء تاريخية لاعتمادهم على مواد جاهزة سبق أن كتبها مستشرقون فرنسيون متحاملون على المدينة العربية وانها مدينة مقلدة للمدينة الهولندية التي ورثوها عن اليونان والرومان، وقد رأى البعض منهم رأياً متطرفاً مفاده ان العرب قد دمروا المدن القديمة الموجودة وأضروا بهيئتها العمرانية التخطيطية. ان هذه الآراء المعادية والسلبية لنشوء وتطور المدينة العربية الاسلامية قد أخذها علماء الاجتماع الأمريكان من آراء وتفسيرات كل من سوفاجيه وبلانهول من فرنسا، لكنها في الحقيقة غير صحيحة. فقد درس سوفاجيه مثلاً مدينة حلب في سوريا، ووجد انها مدينة رومانية، غير ان مدينة حلب لا تعد قياساً عاماً يطبق على جميع المدن العربية الاسلامية. فهي مدينة قديمة ترجع أصولها إلى الفترة الكنعانية، لا كما يرى سوفاجيه، إلى الفترة الرومانية. وان العرب عندما حرروها إبان حركات التحرر العربية وجدوها مدينة كاملة، ومع ذلك فإنهم أضافوا إليها إضافات جديدة ونظموا هيئتها العمرانية الداخلية. في الجانب الآخر فإن هناك مدناً عربية أخرى لم تكن موجودة قبل مجيء العرب أثناء حركات التحرر العربية في القرن السابع الميلادي كالبصرة والكوفة والموصل والفسطاط وبغداد والقيروان وغيرها من المدن العديدة. وهي مدن عربية في الأصل والتخطيط والتكوين. وبالفعل فقد رد عدد من المستشرقين المؤرخين الأمريكان على استنتاجاتع لماء الاجتماع تلك بادلة تاريخية وثائقية جديدة فالمستشرق كويتاين مثلا أدلى بعدة وثائق من وثائق الجنيزا المهمة جداً تؤكد حب العربي لسكنى المدينة وتعلقه بها وحبه الشديد للبناء والعمارة إلى حد الصرف الباذخ. ويؤكد المستشرق المؤرخ لابيدوس على فكرة حب العربي للمدينة وتفاخره بها وتفضيل سكنى مدينته على المدن الأخرى، وإن الدين الاسلامي هو دين مدني بطبعه، وإن العرب لم يدمروا المدن القديمة إنما أسهموا في تأسيس الكثير من المدن الجديدة.
من هنا نجد بأن دراسة المدينة العربية الاسلامية لم تبق محصورة باطار البحث الاجتماعي من قبل علماء الاجتماع إنما أسهم المؤرخون المستشرقون في ذلك، وكانت لدراساتهم أثر أقوى لأنهم اعتمدوا على معلومات تاريخية أصلية لا كما فعل علماء الاجتماع من الاعتماد على المواد الجاهزة البسيطة. ان أول مبادرة تستحق الدراسة هي الندوة العلمية التي عقدت في مدينة لوس انجلز في كالفورنيا في 1966م. وهي ندوة أبرزت دور المستشرق الأمريكي في مضمار الكتابة التاريخية عن المدينة العربية الاسلامية. وكان عنوان هذه الندوة (مدن الشرق الأوسط) استمرت لمدة ثلاثة أيام من 27 تشرين الأول حتى 29 منه. وقد غلب إسهام المؤرخين فيها على البحوث الاجتماعية، واشتملت البحوث المقدمة فيها على محورين: المدن العربية الاسلامية والمدن العربية الحديثة والمعاصرة. والمهم ان قراءة الخلاصة النقدية التيك تبها البروفسور أدمز المشهور في حقل الدراسات التمدنية والذي ألف كتاباً هاماً عن تطور المجتمع التمدني وآخر عن تاريخ الاستقرار التمدني في سهول ديالى تبين بجلاء التطور الذي شهد الفكر التاريخي في الاستشراق الأمريكي إذ يقول ما ترجمته: أن المدينة الاسلامية بالرغم من أنها منعزلة وغير ثابتة نسبياً فإنها تجمعها وأخواتها المدن الأخرى روابط وظيفية هامة، كما إنها تشتمل على فضائل مشتركة وأنظمة ادارية موحدة تميزت بها دون غيرها. وقد أعطتها، هذه الروابط والفضائل المشتركة، القوة والحياة لأن تبقى فاعلة حية لها دور مهم كمراكز ثقافية مهمة.
بالفعل لو قرأنا البحوث التي قدمها المستشرقون الامريكان لوجدنا فلسفتهم قائمة على ايجاد الروابط المشتركة بين المدن العربية الاسلامية، فالورقة التي تقدم بها اوبنهايم تركز على مسائل طريفة في المدينة العراقية القديمة أمثال علاقتها بالضواحي المحيطة بها، وبنيتها الداخلية، التركيب الاجتماعي لسكانها، إدارتها، الحياة العائلية والمعاشية فيها، مؤسساتها ومدى استقلاليتها. وبصورة أدق أنها تدور في محور الاهتمامات الأساسية للاستشراق الأمريكي الذي سبق ذكره آنفاً. كذلك نجد البحث الذي كتبه اوليك كرابار المنشور في كتاب (الاسلام والعالم الاسلامي) حول (المدينة وأهاليها) يركز على جوانب اجتماعية خاصة بالبنية الداخلية للمدينة العربية الاسلامية تلك المتعلقة بالمواطنة وارتباط الفرد العربي بمدينته،ك ما يتناول الجانب الانتاجي الاقتصادي للمدينة العربية ومصادر ثروتها، وتوزيع وحداتها العمرانية، ومحلاتها، ومصادر مياه الشرب فيها. وكذلك الحال بالنسبة إلى ما كتبه المستشرق كويتاين اعتماداً على وثائق الجنيزا عن الأحوال العمرانية والاجتماعية والادارية في المدينة العربية.
اتجهت دراسات الباحثين والمستشرقين الأمريكان في دراسة المدن العربية إلى عدة اتجاهات أهمها الاتجاه الذي سبق ذكره وهو المتمثل بالدراسات التي تناولت المدينة العربية من حيث أهميتها الحضارية كوحدة اجتماعية اقتصادية على ضوء تفسيرات علماء الاجتماع. أما الاتجاه الآخر فيتمثل بالدراسات التي ركزت على مدينة عربية واحدة من المدن العربية الاسلامية، وهو الميدان الذي لعب فيه المؤرخون المستشرقون دوراً متميزاً والذي سنسلط بعض الأضواء على جوانبه الجديدة بالنسبة إلى حقل المدن.
فقد اختلفت المواضيع التي استهوت المستشرقين الأمريكان في المدينة السالامية عن تلك التي تركزت عليها اهتمامات المستشرقين الأوروبيين، إذ ان الأمريكان أولوا أهمية إلى الجوانب العمرانية والأحوال الاجتماعية والجوانب الصحية ومشكلة توفر مياه الشرب وتصريفه والجوانب الأثرية، فالمستشرق المعروف يعقوب لاسنر اختص بمدينة بغداد المدورة فكتب كتاباً عن الأصول العمرانية أو الطبوغرافية فيها خلال أوائل العصور الوسطى، كما كتب بحثاً عن خطط مدينة بغداد وبصورة خاصة قصر الخليفة المعروف بقصر الذه. ومن بين آرائه التاريخية في نشوء هذه المدينة وعلاقتها بفلسفة التمدن العربي قوله ان نشوء الأمصار الاسلامية لم يكن متأثراً بأي مؤثر خارجي إنما كانت مدناً ذاتية عربية خالصة. وعندما يتناول واقع التمدن العربي مقارنة بالتمدن المجاور الساساني والبيزنطي يقول ان سعة التمدن العربي في العراق كان واسعاً وانه، باستثناء مدينة بغداد وسامراء، يمثل نسبة 33% من مجموع المنطقة لتمدنية المستقرة. وهي نسبة عالية، فاذا ما أضفنا إليها بغداد وسامراء فإنها تقفز لتعادل أربعة أضعاف نسبة التمدن والاستقرار في العصر الساساني. ويخلص إلى نتيجة مفادها ان نمو المدن الاسلامية قد بلغ إلى أكبر درجة من التطور التمدني قبل الأزمنة الحاضرة. ويروي أيضاً بأن مجموعة (القصر + الجامع)، وهي وحدات طبوغرافية اتسمت بها المدينة الاسلامية، أصبحت السمة الأثرية للمدينة الاسلامية ويرجع تاريخها إلى فترة حركات التحرر العربية. ومن بين المستشرقين الآخرين جيسم روجرز الذي كتب عن (مدينة سامراء) وهي دراسة في تخطيط المدينة وتحديد وحداتها الطبوغرافية. وقد أشار فيها إلى المحور السابق أيضاً وهو ان مدينة سامراء أنموذج للمدينة الاسلامية وإنها تختلف بوضوح عن أية مدينة هيلنية أو يونانية. ان مدينة سامراء، كما يرى روجرز لا تعد ظاهرة تمدنية منعزلة بل هي جزء من تطور تمدني تعود أصوله التاريخية إلى الفترة الأموية إذ اعتاد الخلفاء آنذاك اتخاذ مراكز حضرية مستقرة في الصحراء.
ولم يغفل المستشرقون الأمريكان دراسة مدن شمال أفريقيا، والحقيقة انهم، كالمستشرقين الفرنسيين، عنوا بدراسة هذه المدن كثيراً فقد ألف أدمون البرت دراسة عن المدن التي أسسها خوارج شمال أفريقيا في منطقة المزاب كمدينة تاهرت التي أصبحت عاصمة لامارة تاهرت ومدينة سدرتا وبونورا ومليكة. ودرس براون المدينة في شمال أفريقيا في بحثه (دور الاسلام في شمال أفريقيا) وركز فيها على حركة التمدن العربي في المغرب إبان الفترة الاسلامية. ودرس وليم سبنسر التمدن في شمال أفريقيا، إذ تتبع في دراسته الجذور التاريخية للمدينة العربية منذ الفترات القديمة ثم الاسلامية والعثمانية، بحثاً وراء السمات المشتركة لحركة التمدن العربي. وأخيراً وليس آخراً فان هناك دراسة تاريخية أثرية قام بها جورج سكانلون عن الخدمات الصحية والسكن في مدينة اسلامية في العصر الوسيط، وقد تناول فيها مواضيع طريفة منها اهتمام العرب بنظافة المدن موضحاً بأن هناك نظاماً خاصاً في كل مدينة وان السلطة هي المسؤولة عن توفير المياه للناس. كما ان المدينة العربية تتميز عن غيرها بوجود موظف مختص بشؤون النظافة ومراقبة الباعة وهو المحتسب، فهو يهتم بتزويد السكك والأسواق بالماء يومياً، كما انه كان يراقب الحوانيت ويجبر أصحابها على تنظيف الأجزاء المواجهة لحوانيتهم ورش البقعة بالماء لتمنع تطاير التراب أثناء مرور الناس والدواب. كما ان المحتسب كان معنياً بتنظيم الشوارع للتغلب على مشكلة التزاحم. ومن بين اجراءاته التنظيمية هذه تحديد أنواع الدواب والحيوانات المسموح لها الدخول إلى داخل المدينة، وتخصيص محلات ومربعات خاصة لربط الحيوانات.
تعكس هذه الدراسات عن بعض الجوانب التي أسهم فيها الاستشراق الأمريكي في دراسة تراثنا العربي، وبالرغم من ان بعض هؤلاء المستشرقين قد قلد النتائج السلبية التي توصل إليها عدد من المستشرقين الفرنسيين والبريطانيين بخصوص المدينة العربية الاسلامية، لكن من الواضح انهم انشغلوا بالبحث عن معلمات تؤيد وجهات نظرهم المعاصرة بشأن المدينة ومشاكلها وكيفية التغلب على هذه المشاكل فجاءت بعض دراساتهم بآراء ومعلومات طريفة تستحق الدراسة والتعليق. ومن بين هؤلاء الذين رجعوا إلى الوثائق التاريخية في سبيل الرد على آراء علماء الاجتماع المستشرق كويتاين الذي كتب العديد من البحوث والكتب التي تناولت جوانب مختلفة من التاريخ السياسي والاداري والاجتماعي والاقتصادي في الفترة الاسلامية استناداً إلى الوثائق المعروفة بالجنيزا التي تم العثور على كميات هائلة جداً منها في الربع الأخير من القرن التاسع عشر فكتب مثلاً كتاباً ترجم إلى العربية بعنوان (المؤسسات الاسلامية) وكتاباً آخر عن (مجتمع البحر المتوسط) ومن بين بحوثه الهامة (ظهور البرجوازية في الفترات الاسلامية الأولى) وبحث (القاهرة: مدينة اسلامية في ضوء وثائق الجنيزا) وفي هذا البحث مثلاً وقف على أصل كلمة مدينة مشيراً إلى أنها ترجع إلى أصل آرامي وتعني كلمة (دين) العدالة، فالمدينة إذن هي المكان الذي تطبق فيه العدالة، وفيها يقيم عضاء الحكومة ويسود فيها الأمن والاستقرار أكثر من أي منطقة أخرى. ويعلق البروفسور كويتاين على العلاقة بين الريف والمدينة العربية فيشير إلى ن الفلاحين كانوا معتادين على دخول المدينة من الضواحي أيام الجمعة لأداء فريضة الصلاة الجامعة ولينشطوا في أسواقها للتبادل البضائعي والحقيقة إنني لا أريد مناقشة رأي البروفسور كويتاين فيما يتعلق بأصل كلمة مدينة، وقد بحثت هذا الموضوع بشكل مستفيض في بحث عنوانه (مفهوم العرب للمدينة) اعتمدت فيه على التحديدات اللغوية العربية أو الفقهية وما ورد في هذا الشأن في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والمصادر الجغرافية العربية، فوجدت أن ارجاع أصل المدينة إلى (دين) بمعنى العدالة موجود عند اللغويين العرب وان اسم الفاعل الديان التي تعني الحاكم قد وردت أيضاً في عدة أحاديث نبوية شريفة، فالجذر (دين) اشارة إلى المدينة عربي.
على أية حال، فان المستشرق كويتاين عرج في بحثه عن مدينة القاهرة على مسألة طريفة هي بحد ذاتها تمثل رداً صريحاً على الآراء التي تقلل من أهمية المدينة العربية وجعلها مدينة مقلدة للمدينة الهيلنية والرومانية، تلك المتعلقة بالمؤسسات المدينية وأهمها النقابة فتناول مهمات النقابة في المدينة وصلاحياتها الاجتماعية والاقتصادية والادارية وإنها معنية بمراقبة عمل أعضائها وذلك لدعم وتطوير مستوياتهم المهنية وتقوم بتهيئة مستلزمات توعية وتدريب الصناع وضمهم إلى الصنف أو النقابة، وتقوم أيضاً بحماية أعضائها من أي منافسة. ويؤكد ان مثل هذه الوظائف والمسؤوليات موجودة في المدينة العربية. ويرد أيضاً على الرأي الذي يبين ضعف العلاقة بين الفرد العربي ومدينته فيقول إن العرب كانوا ميالين إلى العيش في المدن ويرجع إليهم الفضل الكبير في اتخاذ المدن العديدة وبناء البيوت وغيرها من الوحدات العمرانية، ويشير إلى فضل (هذه الثورة التمدنية التي جاء بها الاسلام على التاريخ التمدني العالمي). ويستشهد كويتاين للبرهنة على حب العرب العيش في المدينة بما يحتويه الأدب العربي من أمثلة غير قليلة عن البذخ المتزايد الذي بذخه الخلفاء الأغنياء والمترفون في تشييد البيوت والعمران والمشاهد والمساجد، ويضيف قائلاً ان العرب الذين أسسوا الأمصار الاسلامية الأولى كالبصرة والكوفة والفسطاط كانوا من أشد المحبين للبناء والعمران. وأورد نص عقد زواج اشترط فيه أهل الزوجة بأن لا يبدل الزوج محل سكناه من المدينة إلى الريف دون موافقة الزوجة، وأشار إلى رسالة أخرى تبين ان إحدى الزوجات لم تتحمل العيش في الريف فتحايلت على زوجها وهربت منه إلى القاهرة، فرضخ الزوج لمطلب زوجته بالانتقال من الريف فذهب إلى مدينة دمياط. إنها استشهادات مهمة تدلل على حب العربي للسكن في المدينة لذلك يقول كويتاين بأنه من الخطأ الكبير أن نعزو إلى البدوي قلة التذوق للعيش في المدينة وتفضيله الصحراء عليها.
أما ايرا لابيدوس فقد كان متخصصاً هو الآخر بدراسة المدن فكتب كتاباً عن (المدن الاسلامية في العصور الوسطى المتأخرة) وبحوثاً عدة منها بحثه الموسوم (المدن الاسلامية والمجتمع الاسلامي). ولقد لخص لابيدوس رأيه في إسهام العرب في بناء المدن بقوله: أن الفتح العربي الاسلامي لم يهدم المدن القديمة (وهو في هذا الاستنتاج يرد على آراء المستشرقين الأوروبيين وعدد من علماء الاجتماع التمدني الأمريكان التي تجعل العرب والفتوحات العربية هي السبب الرئيس في تدمير وانتهاء رخاء مدن البحر المتوسط) فيقول البروفسور لابيدوس أن هذه المدن القديمة أمثال قرطاج وأثينا والمدائن قد انتهت وظيفتها التمدينة كمدينة مركزية بوليس قبل ابتداء حركات التحرر العربي بفترة طويلة. ان العرب، كما يرى لابيدوس، على خلاف ذلك قد أسسوا عدداً من المدن الجديدة المهمة جداً بهدف استقرار القبائل البدوية المشاركة في عمليات الفتح. ويصل إلى استنتاج مفاده ان الدويلات الاسلامية قد قدمت دفعاً كبيراً لحركة التمدن وساعدت كثيراً على توسيع التمدن ونشره إلى مختلف الأرجاء التي وصلتها الجيوش العربية. وإن العرب لم يقتصروا على ايجاد مدن جديدة فحسب إنما عمرو المدن القديمة ووسعوها جغرافياً بتأسيس الضواحي المحيطة بها، والنموذج الواضح تاريخياً على هذه الحركة التمدنية قيام الأمراء باتخاذ قصورهم في ضواحي المدن القديمة ونقلهم إليها الدواوين والادارة والجيش. فساعد ذلك على ابراز مدن محيطة بالمدينة الأم (وهو ما يسمى بالمدن المركبة). كما أكد البروفسور لابيدوس على مسألة حب العربي لمدينته وتفاخره بها علاوة على وقوفه على مسألة سعة المدينة العربية وكثافة سكانها وكبر حجمها فيقول ان مدناً أمثال بغداد والقاهرة قد بلغ تعداد سكانها بـ000ر200 ألف أو 000ر300 ألف نسمة وهو عدد يكبر حجم سكان أي مدينة سبق أن وجدت في هذه المنطقة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://nfhat.0wn0.com
 
موقف الاستشراق الأمريكي من دراسة المدينة العربية الاسلامية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» شهادات استشراقية انصفت الحضارة الاسلامية
» الثقافة العربية في عالم متحول
» موقف الاسلام من العولمة في المجال الثقافي والسياسي
» من الاختلاف إلى الصراع: الخطابات العربية والأميركية بعد 11 أيلول/ سبتمبر
»  مظاهر وجماليات المراكز الاسلامية في الغرب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
نفحات اسلاميه :: الاسلام حول العالم :: الاسلام والغرب-
انتقل الى: