نفحات اسلاميه
اهلا بك معنا في منتدي نفحات اسلاميه
نفحات اسلاميه
اهلا بك معنا في منتدي نفحات اسلاميه
نفحات اسلاميه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نفحات اسلاميه

كل ما يخص الدين الاسلامي/فقه/سنه/حديث/افكار/الاسلام والغرب/الاسلام بالانجليزيه/شباب الامه/فتيات الامه/
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الثقافة العربية في عالم متحول

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
eng shitos
Admin
Admin



ذكر عدد المساهمات : 482
تاريخ التسجيل : 26/07/2010
الموقع : https://nfhat.0wn0.com

الثقافة العربية في عالم متحول Empty
مُساهمةموضوع: الثقافة العربية في عالم متحول   الثقافة العربية في عالم متحول Emptyالسبت أغسطس 07, 2010 5:03 am

حدثان كبيران شهدهما العقدان الأخيران من القرن العشرين جعلا المسألة الثقافية مثار نقاش واسع، وهما الثورة التكنولوجية في مجال الإتصال، وسقوط الإتحاد السوفيتي.
1- الثقافة وثورة تكنولوجيا الإتصال:
الثورة التكنولوجية اختزلت الزمان والمكان، وغيّرت من طبيعة الإقتصاد، من اقتصاد الصناعة الثقيلة المعتمدة على المواد الخام والمصانع، إلى اقتصاد المعلومات المعتمد على الرأسمال البشري المالك للمهارات الجديدة، والقادر على الإنتاج والإبتكار فيما أصبح يسمى بالإقتصاد الجديد. وتغيّرت طبيعة العمل والمهن، فأصبح القادرون على مباشرة التكنولوجيات الجديدة والتكيف مع تغيراتها السريعة أقدر على مسايرة تطورات الإقتصاد الجديد، في الوقت الذي تراجعت فيه القيمة المادية والإجتماعية للمهن التي لا يمتلك أصحابها المهارات التكنولوجية الجديدة، أو لا يستطيعون إعادة تأهيلهم لمسايرة التحولات الحاصلة في عالم الإقتصاد.
ولسنا هنا في حاجة إلى إستعراض مجالات ثورة الإتصال، وآثارها في مختلف الميادين، بل سنركز على آثارها الثقافية.
وأوّلها أنّ الثقافة أصبحت بضاعة معولمة الإنتاج والإستهلاك. فهناك تنميط للبضاعة الثقافية وتسويقها عبر شبكات تتحكم فيها شركات عالمية تنتمي في الغالب إلى بلدان الشمال. وعولمتها لا تعني أنها أصبحت ثقافة عالمية بالفعل، يشارك في إنتاجها الجميع، بل لأنها الأكثر انتشاراً على مستوى العالم بسبب تحكم الشركات المعولمة في إنتاجها وتسويقها.
ويكون الوجه الآخر لعولمة البضاعة الثقافية هو صعود الهويات الثقافية المتعددة، والتي تسعى إلى إثبات ذات جماعية: دينية، طائفية، إثنية، فتتصارع فيما بينها وتصارع العالم صراعاً غير متكافئ.
والمظهر الآخر لتأثير ثورة الاتصال على طبيعة الثقافة هو التحول الحاصل في محتوى هذه الأخيرة. فإذا كانت الثقافة هي حصيلة ما يرسخ في عقول الناس ويطبع سلوكهم ويحدد إلى حد كبير مدى نجاحهم أو فشلهم في الحياة العامة، فإن نوعية التربية والتعليم أساسية في تحديد طبيعة الناتج الثقافي. وهكذا نجد أن ثورة الإتصال والمعرفة قد زادت من التمايز بين نوعين من التعليم بمستويين وبسرعتين مختلفتين: تعليم يستوجب المعرفة الحديثة المطلوبة مهنياً في عالم اليوم، وهذا النوع من التعليم ما يزال من حظ أقلية في بلدان الجنوب، وهو تعليم مكلف لا تقدر عليه إلا العائلات المحظوظة. وهذه العائلات بفضل شبكة علاقاتها المتبادلة المصالح تيسر لأبنائها دخولاً أفضل في الحياة المهنية، فيحتل أبناؤها المتخرجون مواقع متميزة في الإدارة ودواليب الإقتصاد والمهن الحرة.
وبالمقابل، هناك أغلبية من أبناء وبنات الشعب، تبقى أمّية أو تتعلم تعليماً غير نافع في عالم اليوم، يؤدي إلى وظائف أو مهن متدنية مادياً وإجتماعياً، أو إلى البطالة. وهكذا لم يعد التعليم – إلا في حدود – وسيلة للترقية الإجتماعية وتجديد النخب داخل المجتمع.
هذا الإنشطار الحاصل على مستوى المجتمع الواحد، خاصة في دول الجنوب، هو أيضاً حاصل على مستوى العالم. فالتفاوت صارخ بين البلدان الفقيرة والبلدان الأكثر غنى. فخمس سكان العالم الأكثر غنى يبلغ ناتجهم الخام 86% بالنسبة للبلدان الأشد فقراً.
لقد أصبحت الفوارق في الثروة والمعرفة هائلة بشكل لم يسبق له مثيل، لاسيما وأن الوعي بالحرمان وبالتهميش أصبح حاداً ومشاهداً يومياً بفعل وسائل الإتصال. فالذين يرفضون العولمة هم ليسوا بالضرورة ضدها كعولمة، بل لأنهم ضحاياها أو على الأقل لا يشاركون فيها. من هنا، فإن تقوقع الهويات الثقافية أو الإثنية أو الطائفية على ذاتها إنما هو تعبير عن واقع الهامشية والإقصاء. من هنا، فإن العولمة التي تحاول توحيد الكل في سوق عالمية واحدة الخاسرون فيها أكثر بكثير من الرابحين، لها وجه آخر وهو التفتت الذي يمثله صعود هويات متعددة ومتصارعة.
إنّ أغلب الصراعات المسلحة اليوم هي صراعات دينية أو إثنية. فإقتتال الهويات الثقافية معناه فشل التعددية الثقافية في التعايش والتوافق على قيم جامعة وعلى الولاء لدولة وطنية متعاقد على مؤسساتها.
لقد قامت الدولة الوطنية في البلدان التي كانت مستعمرة من أجل تحقيق هدفين: الأول، ضمان الوحدة الوطنية التي طالما حاول المستعمر تفكيكها بإثارة النعرات الدينية والعرقية، فناضلت ضد سياسة التفريق الإستعمارية دفاعاً عن الوحدة الوطنية. وحين قامت دولة الإستقلال، فإنها جعلت الحفاظ على الوحدة الوطنية هدفاً مقدساً، فاعتبرت كل دعوة إلى التعددية الثقافية أو الدينية أو الإثنية إنما هي إحياء للسياسة الإستعمارية وتهديد للوحدة الوطنية.
والهدف الثاني لدولة الإستقلال كان هو تحقيق التنمية، فرفعت شعار التوزيع العادل للثروة الوطنية التي كان يحتكرها المستعمرون المستوطنون وتخدم منافع دولة الميتروبول. وهكذا تكونت دولة الاستقلال كدولة شديدة المركزية بدعوى تحقيق التنمية، وضبط البلاد ضبطاً إدارياً وأمنياً.
ثمّ كان فشل هذه الدولة في أغلب أقطار الجنوب في تحقيق التنمية الموعودة، وغرقت في المديونية مما جعلها تقلص من خدماتها الإجتماعية وتدخل في تناقض مع مجتمعها. وهكذا صعدت إلى السطح هويات ثقافية كانت مكبوتة، لاسيما وأن بناء الدولة الوطنية لم يتأسس على تعاقد بين الهويات المتعددة تعدداً هو أمر واقع في كثير من البلدان.
إنّ التعددية ليس معناها بالضرورة التفكيك والتشتيت، وإنما هو التأسيس على التعدد الواقع لبناء كيان سياسي يستوعبه ويتجاوزه. ذلك أنه ليس عملياً في عالم اليوم تأسيس دولة على رأس كل هوية خاصة. من هنا ينبغي أن نأخذ بحذر مبدأ تقرير المصير. فكثير من هذه الهويات الخاصة أصبحت تطالب باستقلالها وتكوين دولتها مستندة على حق تقرير المصير كحق تقره المواثيق الدولية. إلا أن التطبيق الحرفي لهذا المبدأ قد يفضي إلى انهيار دول وتفكيك مجتمعات.
2- انهيار الإتحاد السوفيتي والمسألة الثقافية:
تجدد النقاش وبكثافة حول المسألة الثقافية مع انهيار الإتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة.
ذلك أن الغرب الليبرالي، وهو يعلن انتصاره، فإنه فسّر هذا الإنتصار بمصداقية قيمه الثقافية الليبرالية. وهكذا أصبح كُتّاب ومعلّقون غربيون يؤكدون أنه لا سبيل اليوم أمام الدول والأمم سوى تبني اقتصاد السوق والديمقراطية الليبرالية، وأن الغرب وحده أنجح التلازم بينهما، وأن ذلك بفضل قيمه الثقافية التي تأسست عليها الرأسمالية وقام عليها النظام الديمقراطي. وعلى رأس هذه القيم حرية الفرد وما يتعلق بها من حرية المبادرة في الاقتصاد، وعقلانية تدبيره، والمحاسبة والشفافية، والتنافسية المشروعة، والإبتكار الخلاق الحافز على التقدم التكنولوجي المطور للاقتصاد، والثقة. وحرية الفرد هي أيضاً أساس النظام الديمقراطي، فهي تعني حرية التعبير، وحرية التعاقد، وحرية الإجتماع وتكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات، وحرية الإقتراع. وبهذا تتميز الديمقراطية الليبرالية عن غيرها من الديمقراطيات، لأن الديمقراطية لا يمكن أن تختزل في انتخابات مهما كانت شفافة، ذلك أن نظاماً دكتاتورياً أو فاشياً – وقد وقع هذا بالفعل – قد يخرج من صناديق انتخابات نزيهة. ويقول دعاة تلازم الديمقراطية واقتصاد السوق إن هذا التلازم قد تحقق في بلدان الغرب عبر نضالات سياسية واجتماعية، حتى أصبح الإقتراع والترشح حقاً للجميع، وتطورت الحقوق الإقتصادية والإجتماعية لتواكب الحقوق المدنية والسياسية، كما تحققت المساواة إلى حد كبير في الحقوق والواجبات بين الرجال والنساء.
قد يتحقق نمو اقتصادي في ظل أنظمة غير ديمقراطية، كما حدث في بلدان آسيوية، إلا أن الأزمة المالية والإقتصادية في بلدان جنوب شرق آسيا (تايلندا، ماليزيا، أندونيسيا) أثبتت في نظر الكُتّاب الغربيين صحة مقولتهم عن ضرورة تقعيد اقتصاد السوق على قواعد الديمقراطية.. فالديمقراطية ليست حرية اقتراع ومجالس منتخبة وحسب، بل هي أيضاً شرط أساسي لبناء اقتصاد السوق، الذي يقتضي وجود إطار قانوني يضمن حريّة المبادرة والشفافية والمنافسة المشروعة، ونظاماً قضائياً مستقلاً وفعالاً ونزيهاً، وإدارة تتوفر فيها الكفاءة والإنجاز والأمانة، حتى لا تعم المحسوبية والفساد بهيمنة البيروقراطية المنتفعة.
يؤكد الليبراليون الغربيون الجدد أن اقتصاد السوق، أو الإقتصاد الرأسمالي هو وحده الذي أثبت نجاحه، وأن الديمقراطية الليبرالية أفضل نظام يضمن حرية وكرامة الإنسان ومشاركته الحقيقية في الشأن العام، وأن كليهما، اقتصاد السوق والديمقراطية، تأسس على قيم الثقافة الغربية: الفردانية، العقلانية، سيادة القانون، حقوق الإنسان، النظام التمثيلي وتداول السلطة.
إن المرادفة بين التحديث والتغريب، وجعل القيم الغربية هي الوحيدة التي تكرم الإنسان، وتبني الديمقراطية الحقة (أي الليبرالية)، وتؤسس اقتصاد السوق الذي وحده يخلق الثروة والإنماء الإقتصادي المستدام، هو نوع من العرقية الثقافية. إن الثقافة الغربية قد قدمت للإنسانية في تاريخها مكاسب حاسمة، لكنها ثقافة من ضمن ثقافات متواجدة في العالم اليوم والتي عليها أن تتفاعل وتتوافق على قيم إنسانية مشتركة. لكن التفاعل بين الثقافات والإغتناء المتبادل بينها، وحوارها المستمر، يحول دونه تحكم الشركات الغربية في شبكات إنتاج وتوزيع المنتج الثقافي. لذلك لابد من سياسة للتضامن، وللتنمية المتكاملة بين الدول والأمم، حتى يصبح تفاعل الثقافات واغتناؤها المتبادل ممكناً.
إنّ القيم التي أصبحت تروجها الليبرالية الجديدة هي قيم ضد التضامن الإنساني الذي هو ضرورة لتوازن التنمية في العالم، وضمان تعاونه واستقراره، وأيضاً ضد تماسك المجتمعات وتقليص الفوارق بين أفرادها وفئاتها. فهي تروج للمنفعة المادية كغاية في ذاتها، وللجري اللامحدود وراء الكسب والاستهلاك. وقد أصبحت القيم السائدة هي القيم التجارية، والمردودية المادية، وتقدير قيمة الإنسان بما يملك من مال، كل ذلك على حساب الغايات المعنوية والأخلاقية للحياة الإنسانية، وعلى حساب العدالة كقيمة إنسانية، ليس أخلاقياً وحسب، بل كضرورة لحفظ التوازن والاستقرار القائمين على العدل والتضامن داخل المجتمع الواحد وعلى مستوى العلاقات بين الدول.
حين يتأسى كُتّاب غربيون على انهيار العائلة في المجتمعات الغربية، وعلى تفشي العنف والجريمة المنظمة وتعاطي المخدرات، فإن ذلك يعبر عن فراغ روحي وأخلاقي. وليس بالضرورة أن يكون علاجه بمجرد دعوة إلى العودة إلى الدين والمثل العليا، بل علاجه في إقامة نظام إنساني مبني على التضامن. وهو قيمة ينبغي أن تكون على رأس القيم في عالم يشهد انشطاراً لم يسبق له مثيل بين الأغنياء والفقراء، وتسيطر عليه شركات كبرى أخذت تندمج فيما بينها للتحكم فيما أصبح يسمى بـ(الإقتصاد الجديد).
إنّ الإيديولوجية الليبرالية الجديدة ترى أن من مخلفات الإيديولوجيات المثالية الحديث عن التضامن أو عن العدالة الإجتماعية. فهي تصنف الأفراد، كما تصنف الدول، إلى رابحين وخاسرين. فالرابحون أفراد هم الأذكى من غيرهم، المالكون للمهارات والكفاءات الجديدة، الأقدر على العمل الدؤوب والابتكار والمغامرة. والرابحون أيضاً أمم نظمت وأدارت اقتصادها ليكسب رهان المنافسة في السوق التي أصبحت معولمة. أما الخاسرون فهم أفراد كسالى، محدودو الذكاء، عاجزون عن المبادرة وسرعة التكيف في عالم سريع التغير، يغطون على كسلهم وعجزهم بالشكوى ومطالبة الدولة بكفالتهم الإجتماعية، أو بالإغراق في السكر والمخدرات والجريمة. والخاسرون أيضاً دول عجزت عن تأهيل اقتصادها ليكون قادراً على خلق الثروة. ثم كيف يكون من العدل فرض تضحيات على فئة اجتماعية (الطبقة العاملة) دون غيرها بدعوى ضرورة شد الحزام للإقلاع الإقتصادي؟
- إنشطار ثقافي:
لم يسبق للمسألة الثقافية في العالم العربي أن كان لها مثل هذه الأهمية والخطورة مثل ما هو الحال الآن. فقد أصبحت الثقافة رهاناً في الصراع الدائر في مجتمعاتنا العربية حول قضايا فكرية وسياسية ومجتمعية جوهرية، ليس هناك توافق حولها، بل إن الخلاف حولها قد يصل أحياناً إلى حد الإنشطار.
وإليك أمثلة من هذه القضايا:
أ‌) المسألة الدينية:
دخلت المسألة الدينية في الصراع الفكري والسياسي والإجتماعي في العقدين أو الثلاثة الأخيرة. وقبلها لم تكن هذه المسألة مطروحة للنقاش العام. ففي حقبة الإحتلال الأجنبي كان الدين بمثابة نوع من الهوية الجماعية الدفاعية في مواجهة قوة الإحتلال، فلم تكن هناك حاجة إلى وضع الفكر الديني على محك التحليل النقدي. فالدين في هذه المرحلة كان حاجزاً للتعبئة، وسلاحاً للمقاومة، وهوية جماعية دفاعية، وذلك في مجتمع مشغول بمواجهة الأجنبي قبل أن يكون مشغولاً بنفسه وقضاياه. ومع دولة الاستقلال كانت هناك قضايا أعطيت لها الأولوية: قضايا التنمية، والعدالة الإجتماعية، والتحرر من التبعية. فقد كان هناك موقف (ليبرالي) أحال الدين إلى معتقد شخصي أو إلى قانون أحوال شخصية، وكان هناك أيضاً موقف يرى أن تحرر الإنسان من (الإيديولوجيا الدينية) مرتبط بتغيير البنية المادية للعلاقات المجتمعية وخلق إنسان جديد متحرر من الإستغلال المادي والإستلاب الإيديولوجي.
ثم تغيرت الأمور ودخلت المسألة الدينية معمعة الصراع بين مواقف متناقضة، مثلاً: هل النص الديني شامل حاكم، وأن واقع المجتمع يُردّ جملة وتفصيلاً إلى حكمه، وأنه لا اجتهاد مع وجود النص؟ أو أن النص لا ينفصل عن قراءته، والقراءات متعددة، لأنها تاريخية، وذات مقاصد، ومصالح، وهي معترك للتنافس على السلطة العلمية وإثبات الذات؟ أم أن الواقع (يقرأ) بأدوات علمية، على أساسها يُفهم ويُنظم ويُسيّر، وأن القوانين ومناهج التعليم ونظام الدولة لابد وأن تكون مدنية؟
ب) الدين والسياسة:
هل السياسة فرع من الشريعة، وأن هذه الأخيرة شاملة حياة الأمة، وأن شريعة الإسلام لابدّ لها من سلطة تقوم على تطبيقها حتى لا ينفصم المسلمون عن الإسلام، وأنها مغتنية بذاتها وفي غنى عن أي مذهب من المذاهب التي يضعها البشر، سواء في تأسيس نظام السياسة أو الاقتصاد أو العدالة الإجتماعية أو حقوق الإنسان؟ أم أن السياسة لا ينبغي أن تحشر في الدين، لأنها تعاقد وتدبير مصالح متضاربة وتنافس بين اختيارات وبرامج، في حين أن الدين عقائد، وأحكام بالحلال والحرام، والكفر والإيمان، وأن هذه الأحكام إذا طبقت على أمور السياسة أفضت إلى فرض الرأي الوحيد باسم الدين، وإلى العنف باسم الجهاد، وتحريم الرأي المعارض باعتباره مروقاً عن الدين؟ هل السياسة تدار بمنطق السياسة وتعايش الآراء المختلفة وتنافسها السلمي بالوسيلة الديمقراطية، أم أن الحلال بيّن والحرام بيّن حتى في السياسة، وأنه لا حكم إلا لله، والذي يعني في الحقيقة أنه لا حكم إلا للقائلين بهذه المقالة؟
ج) قضية المرأة:
الخلاف حولها هو الأعمق. فحتى في المجتمعات التي حصل فيها الاعتراف بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة تطلب ذلك نضالاً معقداً وزمناً مديداً.
صحيح أنّ الحركة الإصلاحية العربية، ومنذ أواخر القرن التاسع عشر، دعا بعض أعلامها إلى تحرير المرأة، لكن الدعوة كانت مرتكزة على شيئين: حقها في التعليم، ورفع الحجاب. ففي دفاعهم عن حقها في التعليم كانت حجتهم أن المرأة المتعلمة تربي أبناءها أفضل من المرأة الجاهلة، باعتبار أن الجهل كان سبباً في تأخرنا وقابليتنا للاستعمار. أما رفع الحجاب (أو ما سمي بالسفور)، فلم يكن يعني تقويض كل الحجابات التي تحول دون المساواة الكاملة بين النساء والرجال:
- فالثقافة المحافظة حجاب: فالنصوص الفقهية، والكتب المدرسية، وصور المرأة في وسائل الإعلام، والتراث الشفوي والمكتوب: كلها كان وما يزال حجاباً يجمد المرأة في وضعية أدنى.
- والقانون حجاب: ابتداء من القانون الأساسي – أي الدستور – حين لا ينص على المساواة الكاملة بين كل المواطنين، ولا يعطي حق المساواة في الترشح والانتخاب للجنسين، أو حين لا ينص على هذه المساواة في قانون الأحوال الشخصية، وفي القانون التجاري، والقانون الجنائي، أو في الحق المتساوي في تقلد المناصب على اختلافها ومستوياتها.
- والحجاب اجتماعي: يفرض حجب جسم المرأة، إذ يعتبره (عورة)، ويحرم اختلاط الذكور والإناث في المدارس والإدارة والأماكن العامة، ويقيد حركة المرأة في المكان.
يعتبر مناهضو المساواة بين الرجال والنساء أنها مخطط غربي لتقويض ركيزة المجتمع المسلم، أي الأسرة المسلمة، أي تقويض آخر حصن للهوية والدين.
وهنا لابد من ملاحظة: وهي أن التصنيف المعهود للمواقف ما بين يمين ويسار قد لا ينطبق بالضرورة على الموقف من المساواة الكاملة بين الرجال والنساء. فقد نجد موقفاً "ليبرالياً" (والذي يصنف عادة من اليمين) أكثر دفاعاً عن المساواة بين الجنسين من موقف يساري يغرق تحرر المرأة في تحرر الإنسان ككل من المجتمع الطبقي ولا ينظر إلى قضية المرأة على أنها قضية نوعية قائمة الذات.
تلك قضايا خلافية لا يوجد حولها توافق ثقافي، أو لنقل إنها قضايا خلافية محورها ديني. وسيظل كذلك ما لم نصل إلى توافق ثقافي حول هذه القضايا الجوهرية.
لكن الذي يزيد من تعقيد الصراع الثقافي – الديني هو أن هناك قوى خارجية تضغط على الدول في العالم العربي من أجل الإصلاح، بما في ذلك الإصلاح الديني بتغيير مناهج التربية والتعليم ومراقبة التعليم الديني والخطب في المساجد. فبعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر اعتبرت الولايات المتحدة أن الذين هجموا عليها في عقر دارها – ولأول مرة في تاريخها – جاؤوا من دول عربية وبسبب وجود ثقافة دينية مناقضة للديمقراطية ومولدة للعنف، فنشر الديمقراطية إذن في العالم العربي أصبحت قضية أمن قومي بالنسبة لأمريكا، وليس حباً في الديمقراطية وإلا فلماذا تقوم أمريكا بكل هذه الحملة من أجل (الإصلاح والديمقراطية) في هذه المنطقة العربية بالتحديد وليس في سواها من مناطق العالم؟
إنّ استعمال الديمقراطية استعمالاً مصلحياً وانتقائياً ومزدوج المعايير لا يمكن أن يبطل حاجة بلداننا إليها. فالديمقراطية، والتي مرجعيتها حقوق الإنسان، بالإضافة إلى أنها تضمن كرامة الإنسان وحرياته وحق المواطنين في المشاركة، فإنها تمثل الحداثة السياسية. قد يقال إن النظام الفاشستي أو النازي هو أيضاً نظام حديث، إلا أنه نظام يمثل الاستبداد الذي هو أقدم نظام للحكم التسلطي، رغم تغليفه بوسائل تنظيمية وإيديولوجية حديثة. وقد أثبتت التجربة أن نظاماً ديكتاتورياً قد ينتج تقدماً اقتصادياً، لكن إلى حين، ويبقى أنّ التنمية الحقيقية والمستمرة لحياة الناس هي التي تكون في إطار نظام يزاوج بين التنمية الإقتصادية والتنمية السياسية الديمقراطية.
- مجتمع المعرفة:
لقد أصبح مجتمع المعرفة هو حاضر المجتمعات المتقدمة، وهو مستقبلنا لكي لا نظل على الهامش. ومجتمع المعرفة – مستقبلنا – مرهون، ضمن شروط أخرى، بما ستكون عليه ثقافتنا، خاصة قيمها الحافزة، ابتداء من القيمة التي تعطى للمعرفة. لكن أية معرفة؟ هل هي المعرفة التي تستنسخ الماضي باسم إحياء التراث، والحفاظ على الهوية، وتتحصن وراء هذا كله خوفاً من أن تعصف بها رياح التغيير في العالم؟ أم هي معرفة تصنع المستقبل، قيمها تربى على الكرامة، وروح المواطنة، والمبادرة، والعمل المنتج، والتعايش الديمقراطي؟
لقد أصبحت المعرفة (المتقدمة) منتجة للثروة، وأصبح امتلاك وانتاج المعلومات مصدراً للقوة. لذلك لابد من إصلاح جذري للتربية والتعليم، وهو حجر الزاوية في الإصلاح الذي أصبح حاجة لمجتمعاتنا لكي تندمج في عالم اليوم.
إنّ الإصلاح الشامل أصبح مطلباً ضرورياً ليس لمجرد أن هناك قوى أجنبية تضغط على دولنا للقيام به، بل لأنه حاجة ملحة بسبب الفجوة التي أصبحت تفصلنا عن العالم المتقدم: في أدائنا الاقتصادي، وفي مؤشرات التنمية البشرية، وفي جودة التعليم والبحث العلمي.
إنّ هناك صراعاً على المعرفة، أو بالتحديد على السلطة المعرفية في مجتمعاتنا، لمن تكون؟ فالتراثيون وهم يدافعون عن التراث إنما يدافعون عن سلطتهم المعرفية، يلتمسون بها ولاء العامة ليضغطوا بهم على السلطة، وعلى أنصار الحداثة، بدعوى أنهم المدافعون عن الهوية (أي الدينية)، والواقفون في وجه التغريب و"الغزو الثقافي". رهانهم الأساسي على التعليم، وأنه لابد من أسلمته، ليس بتعظيم نصيب العلوم الدينية في المدارس والجامعات وحسب، وإنما أيضاً بأسلمة باقي العلوم. والقصد هو توسيع القاعدة الاجتماعية التي تسند سلطتهم العلمية، وبالتالي السياسية.
وإذا أضفنا إلى ذلك أن الدولة ليست قادرة مع التزايد الديمغرافي ونقص الموارد على ايجاد المدارس في كل مكان، خاصة في الأرياف والبوادي، فإن أعداداً متزايدة للصبيان الذين لم تعد تستوعبهم مدارس الدولة يتجهون إلى المدارس الدينية. والمنافذ محدود ومتدنية أمام "المتخرجين" من هذه الأخيرة، مثل إمامة مسجد. ففي كل خطبة جمعة ينتصب الخطيب لينشر وعياً شقياً بين المصلين، وأن الاسلام أصبح غريباً بينهم، وأن المنكر استشرى في مجتمعهم وهم لا يحركون ساكناً، وأن الشباب أصبحوا أمساخاً يقلدون انحلال الغرب، وأن حُكّامهم تقاعسوا عن نصرة إخوانهم في فلسطين والعراق وأفغانستان، وبهذا يشعلون حرباً أهلية ثقافية، وهم – ولو من حيث لا يقصدون – يساهمون في صناعة العنف باسم الجهاد.
الثقافة إذن أصبحت حاسمة في كسب المستقبل، أو إضاعته، لأنها محصلة المعارف التي تشكل نوعية التفكير، والقيم الحافظة للسلوك، وتكوين الإنسان الذي يستطيع، أو لا يستطيع، اكتساب المعارف والقدرات النافعة والاندماج في عالم اليوم أو الوقوف على أبوابه الموصدة دونه.
كثيرون يحذرون من حداثة تؤول إلى تغريب، وهو أمر غير ممكن حتى لو أريد لها ذلك، والمثال الواضح هو تركيا الأتاتوركية، وقبله روسيا القيصرية أيام بطرس الكبير.
فإرادة التحديث، ولو كانت قسرية، لا يمكن أن تجعل مجتمعاً غير غربي يصير غربياً متطابقاً. يبقى أنّ الحداثة طرقها متعددة، فهي ليست "متطابقة" بل "متعاصرة"، كل مجتمع قد يصبح حديثاً حداثياً على طريقته، فهي حداثات متكافئة، ندية، أي متعاصرة.
إنّ حداثتنا – إن نحن أنجحناها – ستكون متميزة عن الغرب، لكنها مكافئة له ومتعاصرة معه، لكنها ستجعلنا أيضاً متميزين عن الأسلاف، وبالأحرى عما يريده بنا التراثيون.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://nfhat.0wn0.com
 
الثقافة العربية في عالم متحول
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الثقافة الإسلامية والعولمة.. أي مستقبل؟
» الثقافة الإسلامية بين الأصالة والانبهار
» لماذا لا تجوز قراءة القران الا باللغة العربية ؟؟؟
» موقف الاستشراق الأمريكي من دراسة المدينة العربية الاسلامية
» من الاختلاف إلى الصراع: الخطابات العربية والأميركية بعد 11 أيلول/ سبتمبر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
نفحات اسلاميه :: الاسلام حول العالم :: الاسلام والغرب-
انتقل الى: