إن رسالة موسى _كما أنزلت وكما يصورها القرآن الكريم _ تختلف عن "اليهودية" التي يتبعها اليهود والتي يتخذون منها أساساً للترابط في قيام دولة إسرائيل المعاصرة، يقول الله عز وجل في وصف رسالة موسى:
(أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة).
... فقد وصف "كتاب موسى" بأنه كان قبل القرآن إماماً للبشرية ورحمة لهم. وجاء القرآن شاهداً عليه ومؤيداً لما جاء به وهو (أي القرآن) لذلك إمام ورحمة للناس جميعاً..
بينما يقول في وصف اليهودية من بني إسرائيل:
(وقالوا (أي أهل الكتاب) كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا!.
قل: بل ملة إبراهيم حنيفاً، وما كان من المشركين.
قولوا: آمنا بالله، وما أنزل إلينا، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق.
ويعقوب والأسباطِ، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النبيون من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون.
فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا، وإن تولوا فإنما هم في شقاق، فسيكفيكَهم الله وهو السميع العليم. صبغة الله، ومن أحسن من الله صبغة، ونحن له عابدون).
(أم تقولون: إن إبراهيم، وإسماعيل وإسحاق، ويعقوب والأسباطِ، كانوا هوداً أو نصارى؟ قل أأنتم أعلم أم الله).
فالقرآن _فيما يحكيه عن المولى جل شأنه هنا _ لا يقبل اليهودية "أو النصرانية" كدين لهداية البشرية وإنما دين الله مصدر هدايته هو: "ملة إبراهيم حنيفاً".
فاليهودية أو "النصرانية" دين فريق مقيد من البشر، وليست الدين الذي هو للناس جميعاً، وهو وحده الذي يقبل عند الله وهو الدين الذي جاءت به الرسل جميعها.
ثم في قوله تعالى: (ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً، ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين).
ينفي أن يكون إبراهيم عليه السلام يهودياً، ثم يثبت أنه كان مسلماً وهذا يوضح أن هناك إختلافاً وفجوة بين ما لليهود من يهودية... وبين ما عليه المسلمون من إسلام الذي هو رسالة الله منذ إبراهيم حتى محمد بن عبد الله عليهما الصلاة والسلام.
وتختلف اليهودية عن كتاب موسى كما تختلف عن ملة إبراهيم، وعما أنزل إلى الرسل جميعاً:
فكتاب موسى، ورسالة إبراهيم وما أنزل على الرسل من بعدهما هو الإسلام الذي جاء به القرآن مصدقاً لما بين يديه من هذه الرسالات..
وإذن:
هنا رسالة الله، أو الإسلام، وهي الرسالة الإلهية منذ إبراهيم... حتى موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام.
وهنا شيء آخر يختلف عنها وهي: يهودية بني إسرائيل.
والحديث كذلك عن اليهودية ليس هو الحديث عن دين الله أو عن رسالته للبشرية التي هي الإسلام منذ إبراهيم عليه السلام.
والسؤال الآن: بم تختلف اليهودية عن كتاب موسى؟
ويجيب القرآن الكريم أيضاً عن هذا السؤال في مثل ما يذكره قول الله تعالى:
(وقالت اليهود والنصارى: نحن أبناء الله وأحباؤه
قل: فلم يعذبكم بذنوبكم؟
بل أنتم بشر ممن خلق، يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير).
وقد كان بنو إسرائيل يدعون أنهم أولاد إبراهيم عليه السلام ولذا لا يعاقبون على ذنوب يرتكبونها، وإن عوقبوا عليها _على أسوأ الفروض _ فلمدة قصيرة. ولذا جاء القرآن _كرسالة لله _ ينفي هذا الادعاء، ويؤكد أن الناس جميعاً سواء أمام الجزاء، وأنه لا فرق بين مجموعة وأخرى، ولا بين شعب وآخر في ذلك.
... جاء قول القرآن هذا في قوله:
(وقالوا: لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة!
قل: أتخذتم عند الله عهداً، فلن يخلف الله عهده؟
أم تقولون على الله ما لا تعلمون؟
بل: من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون).
... فشعب بني إسرائيل ليس شعباً "مختاراً" يتميز عما سواه من الشعوب كما تنطق رسالة الله في القرآن، وإن إدعى اليهود ذلك لأنفسهم.
والذين يكفرون "بروحية" الدين تحت تأثير الاتجاه المادي في الإيمان بالله، ويباشرون هذا الإتجاه في ارتكابهم الجرائم الإجتماعية رغم إعطائهم العهد والميثاق على عدم ارتكابها، لا يستبعد منهم أن يخالفوا هذه الروحية في تمييز أنفسهم عن سواهم بعد أن يعلنوا الإيمان بها:
1_ فقد طالبوا برؤية الله عياناً كطريق للإيمان به:
(يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا: أرنا الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة بظلمهم، ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات).
2_ وباشروا الجرائم الإجتماعية، رغم المواثيق المؤكدة على عدم ارتكابها:
(وإذ أخذنا ميثاقكم:
لا تسفكون دماءكم
ولا تخرجون أنفسكم من دياركم، ثم أقررتم وأنتم تشهدون. ثم أنتم هؤلاء:
تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم، تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان، وأن يأتوكم أسارى تفادوهم، وهو محرم عليكم إخراجهم، أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب، وما الله بغافل عما تعملون).
_ واستمر شعب بني إسرائيل نفسه تحت تأثير "المادية" قروناً وأجيالاً عديدة حتى اليوم، رغم سلسلة من الأنبياء توضح لهم رسالة موسى، ورغم أن عيسى جاء على أثرهم برسالة الله اليهم مرة أخرى (وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقاً لما بين يديه) ورغم مناشدته إياهم أن يسمعوا لصوت الآيات، ورغم توضيحه لما اختلفوا فيه عن كتاب الله: (وقفينا بعيسى بن مريم وآتيناه الإنجيل). (وإذ قال عيسى بن مريم: يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة).
ومما اختلفوا فيه عن كتاب الله قولهم، إنهم شعب الله المختار، ومع ذلك ظلوا ماديين ومدعين لأنفسهم بسبب ماديتهم ما يتفوقون به على غيرهم. ولهذا كانوا ظالمين لأنفسهم:
(ولما جاء عيسى بالبينات قال: قد جئتكم بالحكمة، ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه (أي عن كتاب الله) فاتقوا الله وأطيعون.
وإن الله هو ربي وربكم فاعبدوه، هذا صراط مستقيم. فاختلف الأحزاب من بينهم، فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم).
فبنوا إسرائيل ظلوا مختلفين عن دين الله ورسالته على عهد موسى. ثم اختلفوا كذلك عن دين الله ورسالته على عهد عيسى: منهم من كفر به وبرسالته، ومنهم _وهم قلة _ أصبحوا حواريين له وهم الذين أخذوا إسم "النصارى" من أبناء هذا الشعب الإسرائيلي: (فلما أحس عيسى منهم الكفر قال: من أنصاري إلى الله؟ قال الحواريون: نحن أنصار الله، آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون). واختلافهم عن دين الله ورسالته _سواء على عهد موسى، أو على عهد عيسى عليهما السلام _هو على نحو إدعاءاتهم التي سجلها القرآن الكريم عليهم فيما يحكيه عنهم:
من قولهم: (نحن أبناء الله وأحباؤه).
وقولهم: (لن تمسنا النارُ إلا أياماً معدودة).
وقولهم: إن إبراهيم كان يهوديا، فيما ينفيه القرآن في قوله:
(ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً، ولكن كان حنيفاً مسلماً).
(وقولهم على مريم بهتانا عظيما).
ومن قولهم: (إنا قتلنا المسيح بن مريم رسول الله).
(وأكلهم أموال الناس بالباطل)...
وقد جاء القرآن بعد ذلك يناشدهم عدم الغلو في الدين، وعدم اتباع الهوى. ولكن ظل نداؤه إياهم بغير جدوى. واستحقوا بسبب ظلمهم لأنفسهم واختلافهم عن دين الله اللعن من الله جلت قدرته:
(قل يا أهل الكتاب: لا تغلوا في دينكم غير الحق).
(ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل).
_ فاستعلاء شعب إسرائيل اليوم في دولتهم المعاصرة على أساس من عقيدة اليهودية يحول دون أن يكون "الدين" من مقومات الدولة كدولة عصرية، يجب أن تسوي بين جميع الأفراد في الإعتبار البشري وفي حرية العقيدية.
وتأثر شعب إسرائيل اليوم في دولتهم المعاصرة بالإتجاه المادي _الذي ظل طوال تاريخهم لا يجعل "اليهودية" أيضاً ديناً يعتبر أو لا يعتبر من مقومات دولة عصرية. أي أنه يحول دون إعتبار اليهودية ديناً أولاً.
و "اليهودية" إذن لا تصاحبها خصائص الرسالة الإلهية وخصائص دينية وأبرز هذه الخصائص.
أولاً: المساواة في الإعتبار البشري: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم). (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً، ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
وثانياً: "روحية" الدين وهي تلك الروحية التي تحول دون الجرائم الإجتماعية في الأموال والأعراض والأنفس والتي تحمل على تجاوز دائرة الطفولة البشرية في التفكير والإعتقاد.
فلا يقف تفكير المؤمن بدين الله وروحية هذا الدين عند حد المحسوس والشاهد، كما لا يجمد إعتقاده وإيمانه بما يحسه فقط، ويرفض كل ما عدا المحس إن فكر أو اعتقد. ولذا يرفض الإيمان بالله لأنه لا يحس:
(ذلكم الله ربكم، لا إله إلا هو، خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل
لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصارَ وهو اللطيف الخبير).
_ فالإتجاه المادي من شأنه أن يفرق حتى بين الإخوة، والدين من شأنه أن يكتل ويجمع حتى بين الأعداء: (.. واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون).
_ الإتجاه المادي يشجع "الأنانية" و "الفردية". والدين يشجع روح الجماعة والمشاركة، على حساب الذات وشهواتها. والأنانية هي داء المجتمع وعدوه الأول.. هي مصدر الخصومات والأحقاد.. هي مصدر الإستغلال والإحتكار.. هي مصدر العبث والفساد عن طريق الترف والمبالغة في المتعة المادية.. هي مصدر القتل وإشاعة الفحشاء والمنكر.. هي مصدر الشرك والإنتهازية والنفاق.
ولذا لا يصدق إطلاقاً أن أية إيديولوجية تدعو إلى المبادلة أو المنفعة المادية وحدها تصبح عقيدة أو ديناً، فضلاً عن أن تكون ذات أثر إيجابي في حياة من يدعي أنهم يؤمنون بها.. لا يصدق مطلقاً: أن مذهباً مادياً في الحياة يشيع روح الإنسانية أو يستهدف المستوى الإنساني في المجتمع.
والإتجاه المادي يطلب إقتناص الفرصة في جمع المال والمتع الدنيوية، والدين يطلب الزهد فيها لصالح الإيمان بالله والقيم العليا.. يطلب التضحية حتى بالنفس بعد المال والولد.
و "اليهودية" المادية إذن و "اليهودية" التي تدعي أنها دين "النخبة" ودين "الشعب المختار" لو تأسست عليها الدولة العصرية، دولة المساواة في الإعتبار البشري لكانت عوامل الفرقة فيها متعددة ولكان الصراع الداخلي أشد وأعنف فيها، وهي عوامل العنصرية والإنتهازية المادية.
ولكنها في الآونة الحاضرة لا يبدو التفرق في مجتمعها ولا التمزق الداخلي فيه بسبب التركيز على "توسعاتها" وعلى ما يضمن لها شبه الإستقرار ويكفل لها أمنا خارجياً.
وعوامل العنصرية إذا أوحت بها عقيدة كان تمزيقها للوحدة الداخلية أمراً لا مفر منه إن عاجلا أو آجلاً وعوامل الإنتهازية المادية لا تسبب فرقة الأنانية فحسب، وإنما مع ذلك تجعل الأخ يحقد على أخيه ويغدر به ويتسلط عليه إن أمكن، في سبيل تحصيل المتعة المادية.
_ ولنحاول أن نتعمق في التاريخ لنتعرف على متابعة اليهود للدين الإسلامي حتى نستطيع أن نحكم على هذه الطائفة.. في وضوح.. وعدل.. وعلى الدوام.. ومن خلال حياتهم عبر العصور لا من خلال فترة ما بعد البروتوكولات... وفقط..
لقد أثبتت الوثائق العلمية أن اليهود ترقبوا الدين الإسلامي.. ومطلع الدعوة المحمدية.. حتى أنهم تركوا الأرض.. واتجهت عناصرهم المفكرة والرئيسية إلى الصحراء القاحلة في المدينة، وبالقرب من مكة.. وزعموا أنهم جاءوا إلى هذه المنطقة.. تاركين خلفهم الأرض السهلة والبلاد الخصبة.. إنتظاراً لنبي سيظهر في هذه الأرض.. فيتبعونه لأن كتبهم تنبئهم بذلك..
قالوا هذا لقبائل العرب.. فتركوهم وشأنهم إذ أنهم أهل إيمان بالله والعرب قوم وثنيون..
ولكن اليهود.. بعد أن استقر بهم الأمر.. بدأوا يقيمون الحصون.. ويوسعون في رقعة أرضهم.. ويعملون فيما لا يعمله العرب ويكونون الثروات، ويتدربون على القتال وإستعمال الأسلحة.
ولما أثار هذا شك العرب، واستفسروا عنه، خاصة وأن أحداً لم يحتك بهم أو يحاول الإعتداء عليهم كانوا يجيبون بما لا يضمرون..
أما الحقيقة.. فهي ملاقاة محمد ورسالته.. وحتى يمثلوا مع النبي دورهم مع المسيح.. يقاتلونه.. ويشرعون في قتله إن استطاعوا.. لكيلا ينتشر دينه، وليخلو لهم الجو مع الدين الجديد يصارعونه ويقتلون قادته ثم يقضون عليه تماما.. لأن الإسلام دين آخر.. يختلف عنهم، وعن المسيحية، وفي انتشاره وتعمقه في النفوس.. قضاء على ما سواه..
هكذا كانوا يفكرون.. ومن أجل هذا كانوا يعملون ويستعدون ولم يتبع اليهود النبي.. ولم يؤمنوا بالإسلام.. وإنما كانوا حرباً عليه من اللحظة الأولى.. ولكن الأمر إنتهى بهم من غير طائل.
وانتشر الإسلام..
وقويت جماعة المسلمين..
وتحرك اليهود يكشفون عن نياتهم ومؤامراتهم، ويواجهون المسلمين في وضوح وصراحة بالعداء.. ويؤلبون عليهم العرب.. وينضمون إليهم في قتالهم للمسلمين.
ومن خلال المرور العاجل لوصف القرآن لهم، تبرز بعض جوانب مؤامرة اليهود ضد المسلمين الأول وقد قضى الله سبحانه وتعالى على هؤلاء اليهود في حروب المسلمين معهم سواء مع بني قينقاع أو بني النضير أو بني قريظة، وأخيراً في خيبر..
ومن هذا المنطلق والوضع.. نجد صفات اليهود التي يحذر القرآن المسلمين منها ويعلمهم إياها.
فمن هذه الصفات الكثيرة التي ذكرها لنا القرآن الكريم:
مغرورون:
إنهم مغرورون.. فقد ذهب رسول الله (ص) مرة إلى حيث يتعبد اليهود يتدارسون كتابهم، ودعاهم النبي إلى الإسلام فصمتوا، ولم يتحدث واحد منهم، ثم بدد الصمت النعمان بن عمرو والحارث بن زبير إثنان من أحبار اليهود ليسألا سؤالا غريباً: "على أي دين أنت يا محمد؟".
فيقول لهم الرسول "على ملة إبراهيم ودينه.." فيجيبان: "إن إبراهيم كان يهودياً".
فيسألهما النبي عن أي سند لهما فيما يقولان وعمن تعلماه وأين وجداه؟ فيجيبان أنهما يجدانه في كتابهما المقدس، فيرد عليهما رسول الله (ص) "فهلم إلى التوراة فهي بيننا وبينكم.." فرفضا.. لينتهي هذا اللقاء كما بدأ من غير طائل.. ولينزل قول الله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون. ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون).
وسفهاء
ويصفهم القرآن مرة أخرى بأنهم سفهاء إذ عندما استجاب الله سبحانه وتعالى لدعاء نبيه وتحولت القبلة من المسجد الأقصى الحرام.. صعق اليهود، وسارع وفد من أحبار اليهود إلى لقاء النبي (ص) ليساوموه على أن يعود إلى القبلة الأولى، وهم يدخلون في الدين الإسلامي، وظلوا يساومون النبي.. والنبي يقول لهم: إن هذا هو أمر الله.. ولا يملك هو إلا طاعته.. ولم يقتنعوا ولم ييأسوا، وانصرفوا غاضبين مقهورين، لينزل فيهم قول الله تعالى: (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم).
وأتباع شياطين:
وأشمل الأوصاف.. من بين أوصاف عديدة يذكرها القرآن الكريم لليهود.. أنهم أتباع شياطين، وكان هذا إثر محاورة مع النبي (ص) يذكرها عبد الله بن عبد الرحمن فيقول: أن نفراً من أحبار اليهود جاءوا إلى رسول الله (ص) فقالوا: يا محمد أخبرنا عن أربع نسألك عنها، فإن فعلت ذلك إتبعناك وصدقناك وآمنا بك فقال لهم رسول الله (ص) عليكم بذلك عهد الله وميثاقه.
قالوا: نعم.
قال: فاسألوا عما بدا لكم.
قالوا: فأخبرنا كيف يشبه الولد أمه. وإنما النطفة من الرجل.
فقال لهم: هل تعلمون أن نطفة الرجل بيضاء غليظة ونطفة المرأة صفراء رقيقة فأيتهما علت صاحبتها كان لها الشبه.
قالوا: اللهم نعم..
قالوا: فأخبرنا كيف نومك؟
قال: تنام عيني وقلبي يقظان.
قالوا: فأخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه.
قال: هل تعلمون أنه كان أحب الطعام والشراب إليه ألبان الإبل ولحومها وأنه اشتكى شكوى فعافاه الله منها فحرم على نفسه الطعام والشراب.
فقالوا: اللهم نعم.
قالوا: فأخبرنا عمن يأتيك بالوحي..
قال: هل تعلمونه جبريل وهو الذي يأتيني.
قالوا: اللهم نعم ولكنه يا محمد لنا عدو وهو ملك إنما يأتي بالشدة ويسفك الدماء ولولا ذلك لاتبعناك.
فانصرفوا. لينزل الله قوله تعالى: (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين) إلى قوله تعالى: (أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون. ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون. واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر).
و.. أوصاف أخرى...
وصدق الله إذ يقول جل شأنه: (لتجدنَّ أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود)
-------------------------------