يقف الباحث أحياناً بين جذب وشدّ وأخذ ورد، وهو يحاول اختيار أقرب المقدمات إنتاجاً للحق. خاصة إذا تراكمت بين يديه أعداد كبيرة منها وليس على واحدة سمة الوضوح أو الصحة.
كما أنه ليس من السهل فرز الصحيح عن غيره، حتى يستنفذ الباحث أفضل طاقاته العقلية في سبيل ذلك.
وأنا أحاول جاهداً في هذه المقالة الوصول إلى نتيجة مرضية من أوثق المقدمات صلة بالحق وأقربها نسباً إليه. فأقول:
لابد من تحديد مسار الفكر للباحث وهو يجوب عالماً فسيحاً من الحقائق والأباطيل قبل أن تنزلق قدمه إن قصداً أو عفواً إلى ما يلام عليه أو يؤدي عكس المراد من بحثه.
أجمع المسلمون بمذاهبهم المتعددة وآرائهم المختلفة على وجوب تعظيم النبي وتعزيزه وإن المخل بواحد من هذين عامداً بالقول أو الفعل يعتبر في فقه المذاهب كافة. كافراً وعليه حدّ القتل.
ولا أعرف خلافاً في المسألة ولا استثناءاً في هذه القاعدة على الاطلاق والحكم في المسألة عام عموماً يشمل صحابته أيضاً.
أي أن الصحابي لو بدرت منه بادرة من هذا النوع، فإنه لا يعتبر في عداد المسلمين فضلاً عن الصحابة؟
لكن واقع الحال لا يدل على جريان هذا الحكم في جميع الحالات وإن أعطى صفة الشمول والعمومية.
ومعنى ذلك أن استجلاء غوامض التاريخ وإثارة بواطنه وخفاياه يوقف القارىء على حوادث في السيرة المكتوبة وروايات في بطون الكتب.. تناهت في الفض من قدر الرسول صلى الله عليه وآله حتى هانت تفاهات الأعداء قياساً إلى ما اجترحه الأولياء.
قد يكون من غير المستبعد وجود مثل هذه المرويّات في أسفار الحديث ومجاميعه، لبعد التدوين عن عصر الرسالة الأول.. ولكن المستبعد حقاً أن نتبري أفكار عملاقة للدفاع عنها وإيجاد الوجوه والتأويلات والتخريجات لها. بل تصنع المستحيل في سبيل اثباتها وتصحيحها.. إن هذا ليصدم المرء المسلم صدمة دونها الموت الزؤام.
ما هو السبب؟
في اعتقادي أن التماس وجوه كثيرة لهذا الداء الدوي لا يجدي فتيلاً. لأن السبب المباشر يبقى كامناً في أمر اعتباري مهم. ألا وهو تلكم القواعد التي تسالم البعض على الأخذ بها أخذاً لا هوادة فيه. ومنعوا من اختراقها. وحجروا على العقول الخوض فيها وبدّعوا من لا يذعن لها. ومنها القاعدتان بل القاصمتان لظهر الإسلام _ التاليتان:
الأولى: تعديل الصحابة قاطبة بمن فيهم مسلم بن عقبة المري صاحب الحرة، فمن غير المسموح به لأي عقل أوتي من جهد وقوة، أن يحقق في رواية صحت نسبتها من حيث السند إلى صحابي ما. وإن خالفت المعقول والمنقول، والخارج على هذا النظام يعتبر مرتداً أو في حكمه.
الثانية: الثقة المطلقة فيما رواه الشيخان البخاري ومسلم إلى الحد الذي جعلوا لما روياه الحكم على القرآن فقيدوا به مطلقه وخصصوا عمومه ونسخوا محكمه.
ومن هذا المنطلق دافعوا دفاع المستميت عن كل ما سطره الرجلان خاصة البخاري منهما.
والحق أن لا خيار بأيديهم في المسألة لأن مناقشة هذين الرجلين، معناها إيجاد شروخ في أسس الهيكل العام للجماعة، وقد تتسع هذه الشروخ إلى نقض هذا الهيكل وانهياره التام..
والواقع أن هذا الوهم عالق بالعقول منذ القدم. فأن محاسبة الشيخين مع الاعتراف بفضلهما المتقدم، لا يؤدي إلاّ إلى الخير العميم. فأن فرز الصحيح من غيره وتمييز الحق من الباطل والصادق من الكاذب يعود على الذهنية المسلمة بأحسن العوائد. ويبقى الفضل لأصحابه كما هو، لا تمسه الظنون ولا تزيله الأوهام.
والشيخان البخاري ومسلم أدّيا ما عليهما من الحق لهذا الدين وخلفا لنا هذا التراث الضخم. ولا ضير من إخضاعه اليوم لقواعد البحث النزيه. لاستخراج الصحيح الذي لا يخالج الباحث الريب في صدوره من النبي الأعظم (ص)، وفي ذلك خدمة كبرى للحق والخير والإسلام. ولا يصلح الجسد بالعافية إلا باستئصال ما فيه من زوائد الداء.
رواة السنن وكتّاب الأناجيل
يصيب الباحث في معرض المقارنة بين الأناجيل وطريقة جمعها وبين رواة السنن والآثار والأخبار وجوها للمقارنة كثيرة. وإن انفراد هؤلاء بالضبط والدقة المتناهية أحياناً دون أولئك..
ولعل هذا الأصل هو نقطة الخلاف بيننا وبين رجال الكهنوت فإنهم يصرون على عد الأناجيل وحياً أوحي إلى الرسل الذين قاموا بجمعها..
ولكنهم حين يجابهون بوجود الإختلافات الكثيرة بين الأناجيل وحين يوجهون إلى مشكلة الأخطاء والتناقضات بينهما، لا يملكون جواباً شافياً يستأصل شأفة هذا الداء ويبرد غليل السائل، مع العلم بأن انتشار مثل هذا الخلل في كتاب سماوي يفقده القيمة العلمية كونه وحياً منزلاً.
وليتهم والحال هذه اعتبروا الأناجيل اعتبار السنن عندنا، فألقوا بثقلهم العلمي على البحث عن سندها وطرق روايتها شأن أخبار الآحاد. وميّزوا بين صحيحها وضعيفها وموضوعها اذن لبلغوا الغاية من تطلب الحقيقة ونشدانها.
ولأمكنهم لهذه النظرة المنصفة عزل الفضول والأساطير والأوهام عن امتزاجها بالحقايق. ولكنهم نظروا إلى الأناجيل منذ البداية نظرة مبالغاً فيها. وأضفوا عليها رداءاً لم يستو على قامتها.
فكان بين النظرة الخيالية وواقعها المشاهد فرقاً شاسعاً وهوّة سحيقة يستحيل ردمها عليهم.
والذي زاد الطين بلة، أن الأناجيل لم تكن في بدايتها أربعة كما هي اليوم، بل كانت نيفاً وسبعين كتاباً من العهد الجديد منسوباً إلى عيسى ومريم والحواريين، فاختارت الكنيسة هذه الأربعة وطرحت الباقين وهنا اتسع الخرق على الراقع. إذ الإشكال جار في المقبول جريانه في المردود، بل هو في المقبول أشد جرياناً لخفاء علة الترجيح بل فقدانها.
حيث تقتضي الحال أن يكون الاختيار لوجود برهان قاطع حمل على الترجح ومع غياب السند كيف يمكن البت بصحة هذا على ذاك أو ترجيح الإنجيل المقبول على أخيه المرفوض.
ولا يعدم أصحاب هذا الاتجاه قولاً يقولونه في الاعتذار فقد زعموا: أن توالي المصائب والمحن في عصر انتشار المسيحية الأول أدّى إلى ضياع السند. وهذا العذر البارد لا يغيّر من واقع الحال شيئاً. حيث يمكن أن يقال في مثل هذه الظروف أن الضياع لم يقتصر على السند وحده بل يمكن أن تمتد ذراعه فتشمل الأناجيل برمتها فما الذي يعصم الأناجيل بعد ضياع سندها من ضياعها إذا كان الضياع مقصوراً للبعض فما الذي يمنع الكل منه، ومهما كان الحال، فأن كتاباً يعزى إلى الوحي لابد من حصول التواتر له ليمكن الحزم بصحة صدوره من موحيه. وإلاّ كان شأنه شأن الكتب المؤلفة في الحقب القديمة مثل كتاب هيردوث أبي التاريخ وغيره، قد يصيب الإنسان فيها جانباً من الحقيقة إلا أن غلبة الأوهام عليها جلية واضحة.
أقول: أصيب المسيحيون بهذا الوهم من اعتبار ما كتبه الرسل الأربعة عن حياة السيد المسيح ومنشأ دعوته وحياً منزلاً من الله مع مخالفته الصريحة لحقائق العلم والتاريخ...
مما جرّ ورائه أسوأ العواقب حيث ساء ظن طوائف كثيرة من العلماء والمثقفين أمس واليوم بالمسيحية ونظروا إليها بعين الريبة وراحوا يشنون عليها الغارات تلو الغارات وكتبوا آلاف الكتب المدعومة بالشواهد من العهدين في الردّ عليها. بل سرى ذلك إلى إنكار وجود المسيح نفسه واعتبروه خيالاً إسرائيلياً محضاً حتى تقلص نفوذها وانحسرت موجتها في النفوس وخمدت تلكم الجذوة التي تفجرت من بعثة المسيح في أرض فلسطين.
وأدّى بالمسيحية الحال إلى أن تقبع في كنائسها وأديرتها تبسط خيوط نسجها الواهية تترصد صيداً تافهاً تعلق بها أطرافه ولا زالت في هبوط وانحسار خاصة في هذا العصر، ولم تعد المسيحية معروفة إلا بآثارها وأسماء قديسيها ولا شيء وراء هذا الظاهر.
وما هي إلا دورة من دورات الزمن وإذا بداء المسيحية يسري إلينا ويدبّ في أوصالنا، وبهذا جائت الآثار عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم.
... عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص) لتتبعن سنن من قبلكم باعاً فباعاً وذراعاً فذراعاً وشبراً فشبراً حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه معهم. قال: قيل يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن إذن؟.
وكما اعتبر المسيحيون رسل العهد الجديد الأربعة اعتبرناه رواة السنن والاثار، وأنزلنا هؤلاء من الدين منزلة أولئك عند اتباعهم وحرمنا الخوض في رواياتهم. لأنها ما صح منها وما لم يصح في منزلة واحدة لا تحوم حولها الشبهات ولا ترتقي إليها الشكوك، فاختلط الحق بغيره والصحيح بالموضوع ونسبنا إلى النبي أقوالاً لم يقلها، وهي بادٍ عوارها، بين زيفها..
بل اضطرتنا الحال إلى الجمع بين النقيضين والتأليف بين الضدين ومرد ذلك إلى تلكم الهالة القدسية التي أحاطت بالرواة وما جمعوا من خلال ما غلونا فيهم.
ونحن إن لم نصرح بما صرّح به المسيحيون في حق رسلهم، فإن واقع الحال أبلغ من لسان المقال، وطريقة أخذنا وتعاملنا العلمي معها يدل على مذهبنا فيها دلالة قاطعة.
هذا ونحن نصلي أتباع الإنجيل بشواظ من النقد اللاذع وننعي عليهم مغالاتهم في رواة أناجيلهم. نرتكب نفس المذهب الذي حضرناه عليهم من حيث نشعر أو لا نشعر.
من هنا مست الحاجة إلى إعادة النظر في هذه المسألة من جديد خاصة وقد غزانا الخطر في قعر دارنا.
لا محيص عن محاسبة الرواة فيما روى وإن وردت رواياتهم في هذا الصحيح أو ذلك، ورواها فلان الصحابي أو فلان التابعي، فليس من هؤلاء من جاز القنطرة بعد روايتهم الدواهي في حق صاحب الشريعة المعصوم (ص).
وإن من المسلمات ما تنطوي على الكفر الصراح حقيقةً. لأنها تسيء إلى قدسية نبي الأمة (ص).
من هذه على سبيل المثال لا الحصر فرية "سحر النبي"..
فرية السحر
أخرج هذه الفرية كثير من الحفاظ ورواها الرواة بصيغ مختلفة تطول وتقصر وتتقارب فيما بينها في بعض الجمل وتختلف اختلافاً جوهرياً حتى تخالها حوادث أخرى ليس بينها جامع يجمع شتاتها. فممن أخرجها البخاري بطرق عدة وجميعها عن هشام وعروة أبيه عن عائشة زوج النبي (ص).
وأخرجها الطبراني في المعجم الكبير لسند ابن ماجه عن شيخه عبيد بن غنام إلاّ أنه حذف عبد الله ابن خير من السند وهو متوسط بين أبي بكر بن أبي شيبة وأبي معاوية.
وأما الشيعة.. فقد وردت الفرية من طرقهم أيضاً فهذا هاشم البحراني أوردها في برهانه في تفسير السورة. كما أشار إليها في مجمع البيان وذكرها الطوسي في التبيان إلاّ أنها في المصادر الشيعية أخف وطأة منها في المصادر السنيّة التي أخرجتها بل أشار رواة الشيعة إلى أن الأثر أصاب العين والفرج وحدهما، ولم يترك أثر على بقية الجوارح، ولم يصب به العقل. ولم ترد تلك الجملة الحاكية عن أعراض إصابة العقل في الروايات الشيعية.
روايات السحر..
بتتبعنا روايات السحر واستقرائنا رواتها والكتب التي أخرجتها _دونما حصر عقلي _ اتضح لنا إمكان تقسيمها إلى طوائف أربع:
الطائفة الاولى:
ما رواه الشيخان البخاري ومسلم وأخرجه ابن ماجه وابن سعد في الطبقات وابن كثير في التفسير والقاضي غياض في الشفاء وهؤلاء اتفقوا على صيغة أوشكت أن تكون واحدة لولا الاختلاف في التعبير، فقد تزيد عبارة وتنقص أخرى تبعاً لأسلوب الراوي والرواية التالية نسوقها كنموذج للطائفة الأولى بعد حذف السند واللفظ للبخاري.
... عن عائشة رضي الله عنها. قالت: سحر رسول الله (ص) رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله (ص) يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي لكنه دعا ودعا ثم قال يا عائشة: أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عن رجلي فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب. قال: من طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطه وجف طلع نخلة ذكر. قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان. فأتاها رسول الله (ص) في ناس من أصحابه فجاء فقال: يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحنّاء. وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين قلت يا رسول الله: أفلا استخرجته قال: قد عافاني الله فكرهت أن أثير على الناس فيه شراً. فأمر بها فدفنت... الخ.
والملاحظ على هذا النموذج اتحاد الروايات في المحتوى، لأنها تعزى إلى راوٍ واحد وهو أم المؤمنين عائشة.
الطائفة الثانية:
وهي روايات أخرجت في الطبقات ودلائل النبوة للبيهقي ومصنف عبد الرزاق وشفاء القاضي عياض ومعجم الطبراني الكبير وسنن النسائي والبداية والنهاية والتفسير لابن كثير.
وفي روايات هذه الطائفة فروق جوهرية مع روايات الطائفة الأولى، فقد تعددت صيغها واختلف رواتها ولم تكن ذات محتوى واحد حتى تخالها حوادث متعددة كل حادثة وقعت في زمان غير زمان أختها..
أما رواتها.. فيهم الصحابي والتابعي بل إن من الحفاظ من أخرجها بسند منقطع من غير عزو إلى الراوي الأول. وفي الرواة أسماء مشتركة بين الثقة وغيره كعمر ابن الحكم في رواية الطبقات فهذا الاسم يدور بين أفراد عدة منهم الثقة الأمين ومنهم المجهول ذاهب الحديث والغريب في رواة هذا القسم أن لا يكون فيهم أم المؤمنين عائشة، وهي صاحبة القول الفصل في رواية السحر.
نعم ربما يؤول السند في إخراج النسائي إليها، من جهة أبي معاوية الضرير عن الأعمش، فأن الضرير ربما يكون رواها عن هشام لأنه اجتمع به وحدّث عنه فمن المؤكد والحال هذه أن يكون سأله عن رواية السحر، ولكن النسائي تجنب روايته عن هشام لأسباب ستطلع عليها إن شاء الله قريباً.
وأطول حديث عن السحر جاء في طبقات ابن سعد ومنه أخذ النويري في نهاية الإرب.
وفي هذا الحديث إضافات تحمل على الإستغراب والتساؤل منها، الحوار الذي دار بين النبي (ص) وبين ليد بن الأعصم واعتذار لبيد عن فعله لحب الدنانير. وكانت ثلاثة. ثم تبرئة ساحة لبيد على لسان عبد الرحمن بن كعب بن ثالث وعصب التعمة في رأس أخواته وحصر مهمته في وضع السحر في أرعوفة البئر فقط.
ونحن نعزف عن ذكر هذه الرواية لطولها ونحيل القارىء إلى الكتاب المذكور، ولكننا نذكر الرواية التالية كنموذج لهذه الطائفة، والرواية أخرجها البيهقي في دلائل النبوة عن زيد ابن أرقم. قال:
كان رجل من الأنصار يدخل على النبي ويأتمنه وأنه عقد له عقداً فألقاه في بئر. فصدع ذلك النبي فأتاه ما كان يصورانه فأخبراه أن فلاناً عقد له عقداً. وهي في بئر بني فلان ولقد اصفر الماء من شدة عقده فأرسل النبي (ص) فاستخرج العقد فوجد الماء قد اصفرّ فحلّ العقد ونام النبي (ص)، فلقد رأيت الرجل بعد ذلك يدخل على النبي (ص) فما رأيته في وجه النبي (ص) حتى مات.
وهذه الرواية خالفت غيرها بأشياء جوهرية لا يمكن أن تكون عفوية ونحن نشير إليها إجمالاً ليكون القارىء على بصيرة من أمر هذه الفرية ومع مقارنتها بالروايات الأخرى يتجلى الإختلاف عياناً للقارىء.
أولاً.. كتم الراوي اسم الساحر لا لسبب فأن المعروف عن الرواة كتمان أسماء شخصيات من أصحاب النبي حين تروي عنهم حكايات تسىء إلى مركزهم الإجتماعي، فما الداعي إلى كتمان اسم هذا الساحر الخبيث.
ثانيا.. ادعاء كونه من الأنصار وفي غيرها أفصحت الروايات عن اسمه واسم أبيه وجنسه فهو لبيد بن الأعصم اليهودي. فكيف اختلف الفاعل من رواية إلى رواية على أنه تذبذب في أربع روايات بينه وبين الأنصاري وأخوان لبيد وطفل يهودي أن هذا لشيء عجاب.
ثالثا.. ثقة النبي به بحيث ائتمنه على نفسه حتى كاده. فهلاً أخبره الوحي الذي يناديه ويراوحه ليحترس من هذا العدو الذي يحمل بين جوانحه نفساً شيطانية خبيثة.
رابعاً.. امتناع النوم على رسول الله (ص) حتى حل العقد ونام فما أهون هذا المرض عليه وقد كان (ص) تنام عينه ولا ينام قلبه.
خامساً.. بقاء الساحر على صلته برسول الله (ص)، فها هو يدخل ويخرج كما كان يفعل قبل ذلك. فكيف ترك له النبي (ص) الحبل على الغارب ومن الضامن له أن لا يمارس نشاطه السحري ثانية.
إن هذه الشؤون التي ميزت الرواية عن غيرها تثبت الوضع والإختلاق لها جميعاً. وتدل على تعدد الواضع.
الطائفة الثالثة:
روايات مختصرة جداً أشار إليها ابن القيم في زاد المعاد والطب النبوي وابن الأثير في النهاية وأخرجها عبيد في غريب الحديث:
قال أبو عبيد حدثناه هشيم عن حصين بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رفعه عن النبي (ص)، أنه احتجم على رأسه بفرن حين طب.
وهذه الرواية أشارت إلى السحر من خلال احتجام النبي وسكتت عن التفاصيل ولم تذكر رواية غيرها هذا الإحتجام.. والعجيب في الأمر أن يكون التداوي من السحر به. وقد أشكل على جماعة لم ينفوا رواية السحر ولكنهم وقفوا حيارى أمام مسألة الإحتجام لهذا بالغ ابن القيم في توجيهه والدفاع عنه.
الطائفة الرابعة:
روايات روتها الشيعة عن أئمتها قريبة الشبه بروايات العامة.. مما يؤكد نسبتها إلى مصدر واحد..
والحقيقة أن الرواية الشيعية في هذا الشأن تجردت عن الملامح البشعة للرواية السنية بل ورد في كثير منها النص على عدم تأثير السحر به ما عدى الآم بسيطة عرضت لجسمه الشريف ولموضعين منه بالتحديد.
والأكثر من الشيعة على ردّ روايات السحر بل يمكن ان نعتبر هذه الروايات خرقاً لإجماعهم على نفي السحر عنه (ص) وسأورد لك في مستقبل البحث ما قاله علمان من أعلامهم وهما: الشيخ الطوسي والطبرسي في تفسيريهما عن هذا الموضوع. وإليك جانباً من رواه الشيعة:
أخرج الحسن بن بسطام في كتاب الطب عن محمد بن جعفر البرسي قال حدثنا محمد بن يحيى الأرمي قال حدثنا محمد بن سنان قال حدثنا المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين (ع)، إن جبرائيل أتى النبي فقال: يا محمد قال: لبيك يا أخي يا جبرائيل. قال: إن فلان ابن فلان اليهودي قد سحرك وجعل السحر في بئر بني فلان فابعث إليه _يعني إلى البئر _ أوثق الناس عندك وأعظمهم في عينيك وهو عديل نفسك حتى يأتيك بالسحر قال: فبعث النبي (ص) علي بن أبي طالب (ع) وقال: انطلق إلى بئر زوران فأن فيها سحراً سحرني به لبيد بن الأعصم اليهودي فأتني به. قال علي (ع) فانطلقت في حاجة رسول الله (ص) فهبطت البئر فإذا ماء البئر قد صار كأنه ماء الحناء من السحر فطلبته مستعجلاً حتى انتهيت إلى أسفل القليب فلم أظفر به. فقال الذي معي ما من شيء فقلت: لا والله ما كذبت ولا كذبت وما يقيني به مثل يقينكم _يعني رسول الله (ص) _ قال: طلبت طلباً بلطف فاستخرجت حقاً فأتيت به النبي (ص) فقال: افتحه، ففتحته فإذا فيه (في الحق) قطعة كرب النخل وفي جوفه وتر عليه إحدى وعشرون عقدة وكان جبرائيل (ع) أنزل يومئذ المعوذتين على النبي (ص) فقال النبي (ص) يا علي اقرأهما على الوتر فجعل علي كلما قرأ آية انحلت عقدة حتى فرغ منها. وكشف الله عز وجل عن نبيّه ما سحر به وعافاه.
الجدير بالذكر في هذه الرواية هو سكوتها عن إصابة النبي به فلم تذكر شيئاً عن ذلك. بل يبدو لأول وهلة أن النبي (ص) لم يصب أصلاً ولم يشعر به حتى أعلمه جبرائيل وإنما فعل ذلك ليحترز النبي من الإصابة به.
لكن الرواية لم تترك حسن ظننا بها يطول عمره حتى نسفته بقولها وعافاه. ودلالة العافية على الإصابة بالمرض جرائه شيء معلوم ولو أننا أسرفنا في حسن الظن وقلنا يمكن أن تكون العافية قبل الإصابة أي وعافاه الله من الإصابة بالسحر فإن عبارة: "كشف الله عن نبيّه ما سحر به" تحيل ذلك إذ الكشف يدل أن السحر تغشاه حتى كشفه الله.
ويروى: أن جبرائيل وميكائيل أتيا إلى النبي (ص) وهو وجع، فجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره (شماله) فقال جبرائيل لميكائيل: ما وجع الرجل؟ فقال ميكائيل: هو مطبوب. قال جبرائيل: ومن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودي. وذكر الحديث إلى آخره.
عن زراره عن أبي جعفر الباقر (ع) أن السحر لم يسلط على شيء إلا على العين..
وقال أبو عبد الله (ع) لمن سأله عن المعوذتين:
وهل تدري ما معنى المعوذتين وفي أي شيء نزلتا. عن رسول الله سحره لبيد بن الأعصم اليهودي فقال أبو بصير لأبي عبد الله: وما كاد (وما كان ذا) وما عسى أن يبلغ من سحره. قال أبو عبد الله: بل كان النبي (ص) أنه يجامع وليس يجامع وكان يريد الباب فلا يبصر حتى يلمسه بيده والسحر حق ولم يسلط السحر إلا على العين والفرج فأتاه جبرائيل فأخبره بذلك فدعا علياً وبعثه ليستخرج ذلك من بئر زوران وذكر الحديث إلى آخره.
أقول هذه طائفة من أحاديث الشيعة مروية عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام. وهي ضعيفة بل متناهية في ضعفها. ولذلك لم ترد في صحاحهم ولم يروها ثقاتهم وإنما جاءت على لسان رواة مجروحين بالغلو والنفاق. أمثال المفضل بن عمر الكوفي الجعفي وأضرابه. فقد قال النجاشي العظيم عنه: كوفي، فاسد المذهب مضطرب الرواية لا يعبأ به وقيل أنه كان خطابياً.
فكيف تقبل روايته وهو بهذا الوصف..
وبناءاً على هذا فإن الشيعة لا تعبأ بروايات السحر وتجمع على ردّها وجرح رواتها. مع كونها سالمة من العبارات الجارحة التي تمسّ حرمة النبوة وتسيء إلى قدسيتها.
وتصريح رواتها بإصابة العين والفرج دون سواهما وإن خفف من وطأة ثقلها الضمير اليقظ، فإن ذلك لا يكون سبباً في قبولها فإن المرض العضوي بأثر السحر ضرب من مسّ الشياطين وساحة النبي منزهة عن ذلك.
نظرة في رواة السحر
لا أرى كبير فائدة في مناقشة طرق الروايات جميعاً فأن منها روايات لا أهمية لها. بل ليس بها تلك الحرمة المعتدلة والأصل في روايات السحر صحيح البخاري وصحيح مسلم ويتلوهما في الأهمية النسائي وابن ماجه. وهؤلاء الأربعة أخرجوها عن هشام بروايته عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين.
نعم خالفهم النسائي فأخرجها عن أبي معاوية الضرير بروايته عن الأعمش ولكن الملاحظة الواعية ترشد إلى أن النسائي تجنّب إخراج الرواية بهذا السند لأن حديث أبي معاوية عن غير الأعمش مضطرب مع العلم بأن الضرير لم تنقطع صلته بهشام راوي حديث السحر عن أبيه فقد قال عقبة ابن خالد: رأيت أبا معاوية عند هشام ابن عروة ومعه رجل يكتب...
ومن غير المعقول أن لا يسأله حينئذٍ عن حديث السحر وهو الأصل في روايته عن ابيه وصلته بعائشة لا تكاد تجهل ولكن النسائي رفض روايته عن هشام لاضطرابه وأثر تلك التي أسندها إلى الأعمش مع كون الأعمش مدس وقد عنى عن روايته عن أبي حيان..
وعلى أية حالة فالقرائن القوية تشير إلى أن سند النسائي تؤول أيضاً إلى هشام وعروة عن عائشة. ولابد من وقفة مع هؤلاء الثلاثة لمحاكمتهم على ما رووا في حق الرسول الأعظم (ص). ونبدأ أولاً بهشام بن عروة فمن هو يا ترى؟
هاشم بن عروة
هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام. أبو المنذر وأبو عبد الله الأسدي المديني ولد في سنة إحدى وستين عام شهادة الحسين (ع) وتوفي بعد عام الهزيمة كما سموه أي هزيمة إبراهيم ابن عبد الله بن الحسن بن أبي جعفر المنصور.
ذكرته كتب التراجم والرجال وأثنوا عليه ثناءاً منقطع النظير وأثنى عليه الذهبي في كتبه وأطال في الدفاع عنه في سير أعلام النبلاء.. وتحامل على ابن القطان لرميه بالاختلاط ومن مثله ترجم له الخطيب البغدادي. ونقل توثيقه عن غيره. وذكر عنه أشياء تشعر بميله عنه من قبيل رقته في حق نافع مولى ابن عمر حين رويت له كلمة يفضل بها عروة أباه على عمه عبد الله.
ولكن غير الخطيب من المترجمين بالغوا في الثناء عليه. وقد علمتني التجارب أن لا أنساق وراء أهل الجرح والتعديل وإن أطبقت كلمتهم على إنسان جرحاً أو تعديلاً لأن آرائهم غالباً تتحكم فيها نوازعهم وأغراضهم الشخصية فهم إن مدحوا أو ذموا فإنما يفعلون ذلك انسياقاً وراء ما تمليه عليهم دخائلهم الخاصة. فهذا أحد أعلامهم وهو أبو نعيم الأصفهاني قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال:
أحد الأعلام صدوق تكلم فيه بلا حجة ولكن هذه عقوبة من الله لكلامه في ابن بنده بهوىً. وقال:
وكلام ابن بنده في أبي نعيم فضيع. لا أحب حكايته ولا أقبل قول كل منهما في الآخر. وقال ابن طاهر المقدسي:
أسخن الله علي ابي نعيم. يتكلم في أبي عبد الله ابن منده وقد أجمع الناس على إمامته وسكت عن الحق وقد أجمع الناس على أنه كذاب...
أقول والذهبي نفسه لم يسلم من هذه الشنشنة: فقد كان إذا رأى حديثاً في فضل علي عليه السلام بادر إلى إنكاره بحق أو بباطل حتى كأنه لا يدري ما يخرج من رأسه سامحه الله.
وهذا ابن معين يتمم ابن جنبل الكذب بشأن علي بن عاصم الواسطي حين قيل له: أن أحمد يقول: أن علي بن عاصم ليس بكذاب. فقال لا والله ما كان علي عنده قط ثقة ولا حدث عنه بشيء فكيف صار اليوم عنده ثقة؟
والعجيب في إمام الحنابلة تضعيفه حديث الإمام الصادق (ع) بقوله: وجعفر بن محمد ضعيف الحديث مضطرب، ثم هو يثني على الأصمعي في السنة وقد قال عنه الأزدي: ضعيف الحديث وسئل أبو زيد الأنصاري عنه وعن ابي عبيده فقال: كذابان.
وأحسب ان الذي رفع قدره عند أحمد ابن حنبل هو عدائه الشديد لأهل البيت (ع).
لأجل هذا المسلك وأمثاله صار الباحث يتريث في قبول أحكامهم. لأنها في الأعم الأغلب صادرة عن خلفيات في نفوس القوم لا يمكن أن يجازف المرء في التسليم بها إلاّ بعد الفحص والتحري. ولقد صحّت فيهم كلمة السيد ابن عقيل رحمه الله في العتب الجميل حيث قال:
رأيتهم إذا ترحموا السادات أهل البيت أو لمن تعلق بهم اختزلوا الترجمة غالباً وأوجزوا وإذا ترجموا لأضدادهم أو لأذناب أعدائهم أطالوا ولعذرهم أبرزوا. ومن المعلوم ما يوهمه الإختزال وما يفهم من الإسهاب والإسترسال. رأيت فيها توثيقهم الناصبي غالباً وتوهينهم الشيعي مطلقا.
وهذه شهادة رجل منهم لا يرتاب أحد في سلامة طويته. وهو بعد شيء ملتزم. وينقل ابن حجر قوله في هذا الشأن: وقد كنت أستشكل توثيقهم الناصبي غالباً وتوهينهم الشيعة مطلقاً ولا سيما علياً ورد في حقه: لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق.
فإذا كان هذا مذهبهم في الجرح والتعديل وأقل ما يقال فيه: أنه هضم للحق وظلم لأهله. كان توثيقهم المطلق لهشام بن عروة جارٍ في هذا الوادي وآخذ في هذا السبيل.
وكل من ذكر ترجمته وثقه أو نقل توثيقه عن غيره كالذهبي وابن حباب في الثقات والبخاري في التاريخ الكبير وهذا وأن لم يذكر فيه مدحاً أو قدحاً إلاّ أن روايته دعاء ابن عمر له. عنه شعر بتوثيقه. وكيف لا يوثقه البخاري وقد أدرك آخر اصحابه موتاً بعده وهو عبيد الله بن موسى ولعلّ ارتفاع قدر البخاري بين المحدثين هذا أحد أسبابه.
وذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب وأثنى عليه وسماه في لسان الميزان: أحد الأعلام.
كل هذا الثناء العاطر لم يستر تدليسه فقد كان مدلساً وكان مالك لا يرضاه.
وأحسب أن تدليسه صار سبباً في اتهامه ورد حديثه في تجمع من قريش فقد نقل الخطيب عنه أنه قال:
جلست في مجلس فيه جمع من قريش فحدثت بحديث فأنكره علي بعضهم فقلت أنا سمعته من أبي فممن سمعته أنت؟ فلم يكن عنده حجة.
وأظن ظناً متاخماً لليقين أن الحديث الذي أنكروه عليه: إن هو إلا حديث السحر هذا.
وهشام إن ثبت سماعه عن أبيه من طريق آخر، إلا أن ارساله عنه ثابت أيضاً كما في حديثه لأهل العراق وليس بعيداً أن يكون حديث السحر سمعه عن غير أبيه فرواه عنه تدليساً أقول لو تجاوزنا عن ذلك جدلاً فإن اختلاطه وتغيره ثابت كما نص على ذلك ابن القطان.
أقول: أما عن اختلاطه فلا يمكن أن يدفعه الذهبي وقد اعترف بشيء منه ولكنه أضفى عليه رداءاً من القبول حين سماه: تغيراً وتناقصاً وسهواً ونسياناً وغير ذلك. أما نحن فنجنح مع الشيخ الذهبي ولكننا نسأله كيف لا تضر في ضعف الرواية إذا اجتمعت هذه الصفات في الراوي خاصة إذا كان يجمع إلى ذلك التدليس الذي هو أشد فاحشة من الزنا. وعلى فرض عدم اختلاطه، أليست هذه الأمور مسقطة لروايته وكافية في ضعفها على أقل تقدير.
ولا بدع فالذهبي كالإمام مالك. لا يرضاه ويكثر الرواية عنه في الموطأ. وقد جعل الذهبي رواية مالك عنه في موطأه أحد الأسباب في توثيقه. وهذه غريبة أخرى من غرائبه لأن ذلك إن دل على تعديله وتوثيقه ضمناً فقول مالك في حقه: أنه لا يرضاه دل على جرحه صراحة بالدلالة المطابقية. فكيف أخذ الذهبي بالأول وأهمل الثاني.
أليس هذا جنوحاً مع الهوى من هذا المحدث الكبير... والقوم جميعاً على شاكلة الذهبي في جرحهم لشخص أو تعديلهم لآخر.
وأحسب أن الذي جعل للقوم هوىً في هشام هو شدة عدائه لآل رسول الله(ص) شنشنة من أخرم. فقد كان هشام لا يستطيع أن يروي لهم منقبة واحدة وإذا ألجئته الضرورة لذلك تمادى في كتمان أسمائهم. فقد روى الطبري عنه حين نثر سفيه من سفهاء قريش التراب على رأس رسول الله(ص) قال: هشام: دخل رسول الله بيته والتراب على رأسه. فقامت إليه إحدى بناته تغسل عنه التراب وهي تبكي ورسول الله (ص) يقول لها: يا بنية لا تبكي فأن الله مانع أباك... انظر كيف كتم اسم فاطمة عليها السلام بقوله: إحدى بناته. وكيف يستطيع التصريح باسمها وهو منساق مع الحقد الذي كان يعتمل في قلب عائشة عليها وعلى أمّها.
بعد الذي قدمناه من هذا الموجز عن هشام بن عروة نصل إلى النتائج التالية:
أولاً: هشام مدلس، ثبت ذلك عنه في روايته عن ابيه خاصة بعد رحيله إلى العراق.
ثانياً: اختلط وتغير كما يقول ابن القطان. أو تناقص حفظه وسهى ونسي وتغيّر قليلاً كما يقول الذهبي.
ثالثاً: نقم عليه مالك وأنكر حديثه أهل بلده وردّ عليه بعض قريش وكان أبو الأسود يتيم عروة يعجب من حديثه وربما مكث سنة لا يكلمه.
رابعاً: نستنتج من هذه الأمور أن رواية الرجل إن لم تكن مردودة فهي ضعيفة لا محالة وإن أخرجها الشيخان. فكيف والحال هذه نقبلها في أهم عقائدنا الأصولية. النبوة وما لها وما عليها. والأصول لا تقبل إلاّ بالأحاديث المتواترة. وحينئذ فحديث السحر، وإن رواه الحفاظ، مردود على من رواه وهو إن تجوزنا وصنفناه في قسم الضعيف رعاية لكرامة القدماء. إلاّ أنه موضوع ما في ذلك ريب.
--------------------------