لو وقفنا أمام كل مفكر أو باحث مسيحي ممن كتبوا عن سيرة محمد المصطفى (ص) عموماً, وعن الامام علي المرتضى "كرم الله وجهه" خصوصاً, واستنطقناهم سائلين:
لماذا الامام علي!!
أو بتعبير أخر: ماذا وجدتم في شخصيتة الامام علي "كرم الله وجهه" حتى كتبتم عنها دون غيرها على الرغم من أنه لم يكن رسولاً مرسلاً كالسيد المسيح أو كالنبي المصطفى؟
لا شك في أننا لا نملك الحق في الاجابة نيابة عنهم, ولكن الذي يملك الحق في الاجابة عنهم حقاً هو ذلك الكم المميز من كتبهم التي خطتها أقلامهم المحايدة عن شخصية الامام "كرم الله وجهه".
فهم بلا ريب, وكما ذكرنا سابقاً,قد غاصوا في كتب التأريخ وفي مؤلفات الرواة, وحتى في الكثير من دواووين الشعر العربي, باعتبار أن الشعر ديوان العرب, ثم أعملوا فكرهم واستخدموا نور بصائرهم الى جانب نور أبصارهم في تدقيق وتمحيص الاحاديث والروايات الواردة عن أهم وأدق الاحداث المفصلية الهامة في تارخ الرسالة الاسلامية, أي منذ ولادة الرسالة وحتى ما بعد وفاة الرسول الاعظم (ص).
ولا ريب أيضاً في أنهم قد استطاعوا بعد أن اجلسوا العقل على كرسي القاضي وأخرجوا العاطفة من محكمة العقل, أن يميزوا الاحاديث التي قالها الرسول المصطفى (ص) حقاً من الاحاديث التي وضعت على لسانه في أوائل عهد المحنة الاسلامية الثانية, محنة استلام الامويين للحكم وتحكمهم بالعبادة وتسلطهم على الرقاب, وهي المحنة الثانية التي أعقبت محنة الاسلام الاولى, ونقصد بذلك الاجتماع في سقيفة بني ساعد الذي أدى الى حرف الاسلام الذي جاء به المصطفى (ص) عن مساره الصحيح وعن غاياته الالهية المنشودة.
وبعد أن أنتهى أولئك الفكرون المسيحيون من عملية التحقيق والتدقيق وسمحوا للعقل بالنطق بالحكم, وقف ذلك العقل المسيحي المحايد ليطلق حكمه قائلاً:
إذا كان مفهوم الاسلام قد ارتبط بالتصديق بمحمد (ص), فان مفهوم الايمان قد ارتبط بولاية الامام علي أبن ابي طالب الذي كرم الله وجهه.
والحقيقة, إن هذه النتيجة التي خرج بها المفكرون المسيحيون لم تأت من فراغ ولم تبن على أوهام, بل أتت من حقائق ثابتة مبنية على أسس راسخة وحجج مقنعة لا تقبل الرد أو الطعن. ويكفي أن نقول ان المفكرين والادباء المسيحين لم يأتوا بحججهم القوية إلا من القران الكريم أولاً, ومن الاحاديث النبوية الشريفة ثانياً.
وعلى سبيل المثال, ماذا سيقول الباحث المسيحي عندما يقرأ ما نقله أبو سعيد الخدري عن رسول الله (ص) في علي: "حبك ايمان, وبغضك نفاق, وأول من يدخل الجنة محبك وأول من يدخل النار مبغضك"؟!
وماذا سيقول أيضاً عندما يقرأ ما نقله أنس بن مالك عن رسول الله (ص) عندما قال أمام أصحابه: "عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب"؟!
بل, وما هو الموقف الذي سيتخذه عندما يقرأ عشرات الاحاديث النبوية الشريفة التي قيلت في أهل البيت عليهم السلام عموماً, وفي علي أمير المؤمنين خصوصاً؟!
ثم, لو أن ذلك الاديب أو الباحث المسيحي وقف وتمعن في قراءة تفاسير معظم الايات القرأنية الشريفة التي تخاطب المؤمنين, كقوله: "يا ايها الذين امنو.. ", ألن يرى فيها الشيء العجيب والمثير نتيجة تبيان الله سبحانه وتعالى لفضائل الامام علي وأهل بيته الاطهار الكرام؟!
وعلى أية حال, دعونا الان – أيها الاحبة القراء – نقوم بجولة خاطفة جداً مع باقة صغيرة من الاحاديث الهامة التي جاءت تصف مكانة الامام علي وأهل بيته, والتي كان لها الدور البارز في جعل الكتاب المسيحيين يشمرون عن سواعدهم ويجادهون بأقلامهم ومدادهم من أجل إجلاء الغبار عن وجه بعض الحقائق الهامة, ومن اجل مساندة الحق منطلقين في ذلك من قوله رسول الله الانسانية الكريم, محمد بن عبد الله (ص): "مداد العلماء خير من دماء الشهداء" ومن قوله المشهور أيضاً: "العلماء مصابيح الارض وخلفاء الانبياء وورثتي وورقة الانبياء".
وانطلاقاً من ذلك, فما من مفكر مسيحي الا وكان له رأي خاص مبني على عدة عوامل, ومن هذه العوامل جملة الاحاديث النبوية الشريفة المنتشرة في كتب السنة والشيعة على حد سواء. ومن هذه الاحاديث النبوية الشريفة بشأن مكانة الامام علي وأهل بيته الكرام عليهم السلام يمكننا ان نذكر هذه الباقة الصغيرة منها, والتي أخذناها من كتب المسلمين السنة, وكان لها الدور البارز في دراسة وتحليل واستنتاجات المفكرين المسيحيين عن المكانة الحقيقية للامام علي "كرم الله وجهه".
فقد روى الحافظ أبو جعفر أحمد بن عبد الله الشهير بالمحب الطبري في كتابه "الرياض النضرة" أنه قال: وعن أبي بكر قال: رأيت رسول الله (ص) خيم خيمة وهو متكئ على قوس عربية, وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين "عليهم السلام", فقال: "معاشر المسلمين, أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة, حرب لمن حاربهم, ولي لمن والاهم, لا يحبهم إلا سعيد الجد, طيب المولد, ولا يبغضهم إلا شقي الجد, رديء الولادة".
أما الشيخ محمد بن علي الصبان الشافعي فينقل لنا في كتابه "إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى" أن الرسول (ص) قال: " لايؤمن عبد حتى أكون أحب اليه من نفسه وتكون عترتي أحب اليه من عترته, وأهلي أحب اليه من أهله, وذاتي أحب اليه من ذاته". وأورد الصبان الشافعي في كتابه المذكور, أيضاً, قوله (ص): "من أبغض أهل البيت فهو منافق".
ولا ريب في أن أولئك الباحثين والمفكرين المسيحيين قد قرأوا الكثير مما جاء في كتاب "نور الابصار" للشيخ مؤمن بن حسن الشبلنجي الشافعي حيث روى عن الرسول المصطفى (ص) قوله الشريف: "من مات على حب ال محمد مات شهيداً, ألا ومن مات على حب ال محمد مات مغوراً له, ألا من مات على حب ال محمد مات تائباً, ألا ومن مات على حب ال محمد مات مؤمناً مستكمل الايمان, ألا ومن مات على حب ال محمد يزف الى الجنة كما تزف العروس الى بيت زوجها, ألا ومن مات على حب ال فتح له في قبره بابان الى الجنة, ألا ومن مات على حب ال محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة... ألا ومن مات على بغض ال محمد مات كافراً, ألا ومن مات على بغض ال محمد لم يشم رائحة الجنة".