د.محمد عبد السلام
في قرية ريفية اسمها (جهانج) تقع في ولاية (البنجاب) التابعة لباكستان الآن، وفي
29 يناير سنة 1926م، ولد (محمد عبد السلام).
كان
والده موظفًا صغيرًا في الجمعية الزراعية، لكنه لم يبخل بماله وجهده في
تربية ولده، فاهتم اهتمامًا كبيرًا بمحمد أو (سلام) كما يحلو لزملائه من
العلماء الغربيين أن يلقبوه، كان والده يتابعه في المدرسة، ويتصل بمدرسيه
يطمئن على مستوى تحصيله الدراسي، بل إنه علَّمه اللغة الإنجليزية بنفسه،
حين لم تنجح المدرسة في ذلك.
وكان والده حريصًا كل الحرص على تعليمه
آداب الإسلام؛ فعلمه ألا يبدأ أي عمل إلا باسم الله، كما علمه أن يكرر
دائمًا قوله تعالى: {واحلل عقدة من لساني}
[طه: 72] لكي يصفو قلبه للعلم، وحرص في الوقت نفسه على نصحه
لعمل
الخير، ومواجهة الشر، والتخلق بأخلاق الإسلام، لذلك كله كان (سلام) يعتز
بوالده اعتزازًا كبيرًا، فقد أهدي والده أحد كتبه قائلاً: (إلى ذكرى والدي
الذي علمني الإسلام).
وعندما وصل (سلام) إلى الرابعة عشرة من عمره، حصل
على منحة دراسية من جامعة البنجاب الحكومية في (لاهور) وبعد انتهائه من
دراسة الرياضيات في جامعة (البنجاب) في عام 1946م لم يستطع (سلام)
الالتحاق بأية وظيفة بسبب الحرب العالمية الثانية، ولكنه استطاع الحصول
على منحة للدراسة في جامعة (كمبردج) بإنجلترا لتكملة دراسته، وانتقل سلام
من باكستان إلى كلية (ترنتي) التابعة لجامعة كمبردج؛ حيث بدأ في دراسة
الفيزياء النظرية التي تتمشى مع
موهبته الرياضية، وخلال فترة دراسته للحصول على درجة الدكتوراه، عمل على استكمال العديد من النظريات العلمية.
شعر
(سلام) بأن عليه دينًا تجاه وطنه ودينه، فقرر الرجوع إلى بلده باكستان
ليُسهم بعلمه في بنائها ومساعدة أبنائها، فعاد إليها وعمل هناك ثلاث
سنوات
1951م/1954م كرئيس لقسم الرياضيات، لكنه أحس بعد فترة بأنه في حاجة للعودة
إلى (إنجلترا) للاستمرار في البحث العلمي، والاطلاع على أحدث ما وصل إليه
العلم، وظل (سلام) متمسكًا بدينه، شديد الغيرة عليه، ودائمًا كان يحلم بأن
تعود صفحات التاريخ المشرق، ويقود المسلمون زمام العلم في كل أنحاء العالم
كما كانوا في الماضي، فكان يحلم بأن يظهر من بين المسلمين علماء كبار
أمثال:
ابن الهيثم، وابن سينا، والفارابي، والخوارزمي .. وغيرهم ممن أناروا الدنيا كلها بنور العلم.
وفي
الوقت نفسه، كان (سلام) يشعر بالمرارة والألم على حال المسلمين، وما وصلوا
إليه من تدهور، فقد دخل إحدى المستشفيات فرأى أن أغلب الأدوية العلاجية
التي يعالَج بها المسلمون قد تمَّ التوصل إلى أغلبها دون المشاركة في
الجهد من أي فرد من أفراد أمة الإسلام، وغلي الدم في عروق (سلام) عندما
تذكر كلمات عالم أوروبي قالها له ذات مرة: (هل تعتقد حقًّا يا سلام أن
علينا التزامًا بأن نعين ونساعد ونغذى ونبقى على حياة تلك الأمم التي لم
تُضِفْ ولو ذرة واحدة إلى حصيلة المعرفة البشرية؟!).
وأدرك (سلام) أن
المسلمين تأخروا؛ لأنهم لم يأخذوا بتعاليم القرآن الكريم التي تنص على أن
المعرفة هي أسمى ما يمكن أن يحققه الإنسان، فيقول: (إن سبعمائة وخمسين آية
من آيات القرآن الكريم (أي ما يقرب من ثمن عدد آياته) تحث المؤمنين على
دراسة الطبيعة والتفكر فيها، وعلى الاستخدام الأمثل للعقل بحثًا عما هو
جوهري في الطبيعة).
ودفعته الغيرة على الإسلام إلى الجد والاجتهاد، فلا
وقت للهزل واللعب؛ فاستطاع أن يحقق إنجازات ضخمة في مجال الفيزياء
النظرية، وقام بنجاح بتوحيد القوى النووية الضعيفة مع القوي
الكهرومغناطيسية، وهو ما حصل بسببه على جائزة (نوبل) في الفيزياء في عام
1979م.
ويعتبر (محمد عبد السلام) من أكبر العلماء المسلمين خلال القرون
الستة الأخيرة ويعد من كبار علماء الفيزياء المعاصرين، وقد مُنح أكثر من
خمس وعشرين درجة دكتوراه فخرية، وثماني عشرة جائزة وميدالية في مجال
الفيزياء، أهمها: جائزة الذرة من أجل السلام (1968م) وجائزة نوبل في
الفيزياء (1979م) وجائزة لومو نوسوف الذهبية من أكاديمية العلوم السوفيتية
(1983م) وكذلك أربعة أوسمة رفيعة من مختلف دول العالم.
كما اختير عضوًا
في ثلاثة وعشرين أكاديمية علمية، بما في ذلك أكاديمية العلوم في الولايات
المتحدة والاتحاد السوفيتي، وشغل مناصب عديدة في الأمم المتحدة ومنظماتها،
مثل: منصب السكرتير العلمي لمؤتمر جنيف للاستخدامات السلمية للطاقة
الذرية، ومنصب رئيس لجنة الأمم المتحدة الاستشارية للعلم والتكنولوجيا،
كذلك شغل عدة مناصب رفيعة في موطنه (باكستان) أهمها منصب المستشار العلمي
لرئيس الجمهورية، ورئيس المجلس الباكستاني لدراسة الفضاء، وطبقات الجو
العليا.
أما عن إنجازاته العلمية فأهمها: كتابة أكثر من 250 بحثًا
علميًّا في مجال فيزياء الجسيمات الأولية، وكذلك دراسات عن العلم وسياسات
التدريس في
باكستان ودول العالم الثالث، كما نشر ثلاثة كتب؛ اثنين منها في مجال الفيزياء النظرية.
وطالب
الدكتور سلام بإنشاء صندوق إسلامي للموهوبين في العلوم، يشجع شباب
المسلمين على متابعة الدراسات العلمية، كما نصح بأن تهيئ الأمة الإسلامية
لعلمائها الإمكانات العلمية والمادية التي تساعدهم على العمل والتقدم
العلمي.
كان سلام مسلمًا معتزًّا بدينه، لا يترك مناسبة من المناسبات
إلا ويفتخر بإسلامه ويعلن للملأ أن دينه يدعو إلى العلم، فها هو ذا يقول:
(اسمحوا لي أن أقول: إنني مسلم مقيم لشعائر ديني الإسلامي، ذلك أنني أومن
بالرسالة الروحية للقرآن الكريم وكعالم، فإنني أجد في القرآن الكريم
إرشادًا يحثني على ضرورة التفكر في قوانين الطبيعة، ضاربًا لنا الأمثال من
علوم الكون والفيزياء والطب كعلامات دالة لكل الناس.